مجزرة مدرسة عين جالوت صفحةٌ داميةٌ جديدةٌ من إنجازات الأسد

"تعلّموا من الأطفال وعلّموهم"

هكذا قال جزّار حماة، حافظ الأسد، الذي حرم جيلاً من الأطفال من آبائهم. وكان الابن وفياً لتعاليم والده، فعلّم الأطفال. ويا له من علمٍ ممن تتلمذ على يد دراكولا.

في آخر يومٍ من نيسان أضاف السفاح جريمةً جديدةً إلى سجله الدمويّ، عندما انقضّت طائرةٌ يقودها طيارٌ شجاعٌ شعاره "الشهادة أو النصر" على مدرسة عين جالوت للأطفال في مدينة حلب. فانتصر الطيار، وأرسل أرواح أكثر من 30 إنساناً، معظمهم من الأطفال، إلى السماء. ها هو "المقاوم والممانع الكبير" يظهر أنه يعرف كيف يربّي شعبه، وإن تطلب الأمر، يعرف كيف يربّي الشعوب المجاورة كما فعل والده في لبنان. وكأني به يصرخ مناشداً الآخرين: "لم يعد بكم حاجة بعد اليوم لإسرائيل. هي دمّرت مدرسة بحر البقر في مصر على رؤوس طلابها، أما أنا فسأدمّر جيلاً من الأطفال بكامله. إسرائيل قتلت درةً. أنا سأقتل كل الدرر. مناحيم بيغن الإسرائيلي وأنور السادات المصريّ حازا على جائزة نوبل للسلام مناصفة، أما أنا فأريدها لوحدي دون مشاركة من سيسي مصر أو بوتفليقة الجزائر، لأني أجدر منهما أن أكون حارس مصالحكم الأمين في العالم العربي. هواهم محليٌّ، أما أنا فهواي قوميّ. تذكروا ما فعل والدي في لبنان".
ولكن فرعون سوريا ليس وحده في الجريمة التي تسيل دماء ضحاياها يومياً. فبعض من يدَّعون صداقة شعبنا غائصٌ في بحور الدماء حتى أذنيه. الولايات المتحدة تتابع بدقةٍ عمليات الذبح التي يقوم بها النظام يومياً، وهي تعطي كل التسهيلات لهذا الطيران لإتمام واجبه "الممانع المقاوم". كيف لا وهي تمنع بإصرارٍ عنيدٍ مقاتلي الجيش الحرّ من الحصول على مضادات طيرانٍ فعالةٍ للدفاع عن الشعب السوري؟ إن من يربط يدي شخص يتلقى الصفعات ليس أقلّ قسوةً وساديةً من الذي يكيل الصفعات. والزعم أن الولايات المتحدة تخشى وقوع هذه المضادّات بأيدي إرهابيين كلامٌ مضلل، لأن الصواريخ الفعالة المضادة للدروع بالكاد تصل إلى الجيش الحرّ. هل لصاروخٍ مضادٍّ للدروع يقع في الأيدي "الخطأ" تأثيرٌ على الأمن القوميّ الأميركيّ؟!
ولن نتكلم عن لؤم وخسّة بعض "الأصدقاء" في التعامل مع اللاجئين، وإغلاق الحدود أمامهم، والتمنن عليهم بمبالغ يُنفَق أكثر منها على حديقة حيواناتٍ في بلاد المانحين. أصدقاء النظام كانوا أوفياء لصديقهم، وفي العمق أوفياء لمصالحهم وهلوساتهم الإمبراطورية.
سيــــقول البعض إن الســــياسة تسيّرها المصالح، وسياسات الدول الكبرى تجاه الثورة طبيعية. لا أعتقد أن المصالح تستلزم الخسّة الأخلاقية تجاه شعبٍ يريد أن ينال حريته. وعندما يحصل ذلك، فإن من واجب من يعتبر نفسه الممثل السياسي للثورة فضح هذا التواطؤ، ومن واجبه أيضاً رسم استراتيجياتٍ ثوريةٍ وليس بازاراتية، تعرف كيف تجعل الآخرين يتذكرون أن لهم مصالح تستطيع الثورة أن تهزّها إن كانت على حساب الشعب السوري .
وما زاد في بلايانا انحياز بعض اليساريين إلى صفّ النظام و"الإمبريالية" التي كانوا يشتموها ليل نهار، مبرّرين سفالتهم بالتصدّي للهجمة "الأصــــولية الرجعية" التي تريد أن تعيد ســــوريا إلى القرون الوسطى، وتحرمــــها من الشعر الأدونيسي والموسيقا الكلاسيكية والثقافة الحديثة، وتكبّل المرأة. متناسين موسيقا البراميل المتفجرة، وشعر من ينتظرون وصول المهدي المنتظر "من درعا لمع الشرر/ خصم مهدينا ظهر/ ومن حرستا مننتظر/ أول علامة"، وإبداعات علي الديك، وثقافةٍ أبدعت فقط في انحطاطها ومسخها لعقول البشر. بدأت مع ستالين في الاتحاد السوفياتي بقتلها لأجساد وأرواح ملايين البشر، وعَبَرت صين ماو تسي تونغ التي مــــنعت قراءة شكسبير والاســـــتماع إلى الموسيقا الكلاسيكية، ولم تنسَ أن تمرّ على ليبيا وخزعبلات الكتاب الأخضر وألبانيا أنور خوجة وكمبوديا بول بوت، ووصلت ذراها مع "حِكَم" حافظ الأسد و"المقولات الفلسفية الهائلة" لأبو حافظ.
لقد اختار شعبنا وطلائعه المقاتلة الطريق. وبقي على قيادته السياسية أن تكون وفيةً لهذا الخيار قولاً وفعلاً. أرواح شهداء مدرسة عين جالوت لن تسامح المقصـــــرين، وهي تنتظر ساعة النصر.