في سبيل الحلّ السياسيّ.. مزيدٌ من المؤتمرات والاجتماعات

على مدار الأيام الماضية شهدت مختلف المناطق المحرّرة سلسلةً من المجازر راح ضحيتها مئات المدنيين، في الغوطة وأرياف إدلب وحلب واللاذقية وحماة، نتيجةَ تصاعد حدّة قصف الطائرات الروسية التي ازداد معدّل غاراتها الهمجية بعد مؤتمر فيينا وإسقاط الأتراك مقاتلةً روسيةً قرب الحدود. وبالتوازي مع تلك الجرائم تصاعدت وتيرة الحراك الدبلوماسيّ بين المسؤولين الدوليين استكمالاً لمتطلبات خارطة طريق مؤتمر فيينا الأخير.

مؤتمر الرياض والتحضير للمفاوضات

لم يكن ردّ الفعل الروسيّ على انعقاد مؤتمر المعارضة السورية الذي احتضنته العاصمة السعودية مستغرباً، إذ انتقدت الخارجية الروسية مقرّراته وشككت في أنه يمثل جميع أطياف المعارضة. فيما سبق أن صرح نائب وزير الخارجية الإيرانيّ، حسين عبد اللهيان، أن المؤتمر سيُفشل محادثات السلام في فيينا. وتبدو هذه التصريحات متناغمةً مع السياسة التي ينتهجها معسكر الدول الداعمة للأسد، خاصّةً وأن المؤتمر حقق تطوّراً لافتاًعلى عدّة مستويات. إذ جاءت دعوة السعودية لممثلين عن أبرز الفصائل العسكرية العاملة على الأرض ممن تدرجهم موسكو على قائمتها الخاصّة بالإرهاب، واتفاق الحاضرين -بمن فيهم الائتلاف الوطنيّ وهيئة التنسيق- على مقرّرات المؤتمر؛ كأولى النقاط التي تتعارض مع موسكو التي تراهن على عدم قدرة المعارضة السياسية على التوحد، فضلاً عن إنكار روسيا وجود الجيش الحرّ أو الفصائل المعتدلة في سوريا، بحسب تصريحات مسؤوليها. فيما لم تكن مقرّرات المؤتمر بعيدةً عن مطالب معظم السوريين، ومنها الاتفاق على بند رحيل النظام ورموزه، والدعوة إلى قيام دولةٍ مدنية، فضلاً عن تشكيل الهيئة العليا للمعارضة، المكوّنة من 34 عضواً، تمهيداً لإعداد وفدٍ يمثل المعارضة والثورة في المفاوضات المزمع عقدها مع النظام مطلع العام القادم. وبطيّ ملف الوفد التفاوضيّ، ودخول الفصائل العسكرية على خط التمثيل السياسيّ "المعتدل"؛ أشار العديد من المراقبين إلى أنّ هذه الخطوات تصبّ في صالح تدعيم ثوابت الثورة في ظلّ المحاولات الروسية لعرقلة ما من شأنه أن يسرّع تنفيذ خارطة فيينا. بينما أعطى تمثيل الفصائل العسكرية في المؤتمر والهيئة المنبثقة عنه شرعيةً لوجودها، في هذا التوقيت الذي سيشهد -في الأيام القليلة القادمة- إعلان الأردن عن قائمةٍ تصنّف المنظمات الإرهابية في سوريا، تزامناً مع استحقاقاتٍ ديبلوماسيةٍ كثيرةٍ مقبلة، يبدو أنّ الدول الأساسية الفاعلة في الملف السوريّ قد رتبت أوراقها لها.

المشاكل العالقة

بالتوازي مع مؤتمر الرياض اتجهت جهود وزير الخارجية الأمريكيّ، جون كيري، إلى محاولات التوفيق بين الأطراف الدولية حول المضيّ قدماً في تنفيذ مقرّرات فيينا. إذ التقى كيري بالرئيس الروسيّ لإقناعه بالموافقة على استصدار قرارٍ غير ملزمٍ من مجلس الأمن يصادق على مقرّرات مؤتمر فيينا وأهمها -من وجهة النظر الأمريكية- بدء العملية التفاوضية بين المعارضة والنظام، ووقف إطلاق النار تزامناً مع ذلك. وجاء هذا عقب اجتماع وزراء خارجية دول أصدقاء الشعب السوريّ في باريس الذي تناول الخطوات المرتقبة القادمة. لكن، ورغم الدور "الوسطيّ" الذي تلعبه واشنطن تجاه هذه القضية في هذه المرحلة، طفت على السطح مجدداً مشكلتا رحيل الأسد وتصنيف الجماعات الارهابية، خاصّة وأن الموقف الروسيّ والإيرانيّ لم يتزحزح عن دعم النظام واعتباره حكومةً شرعية، وهذا ما أكدته تصريحات وزير الخارجية الروسيّ، سيرغي لافروف، الذي قال إن روسيا ترفض تنحي الأسد، في حين خرجت تصريحات الخارجية الإيرانية لتتهم الفصائل العسكرية المشاركة في مؤتمر الرياض بأنها مرتبطةٌ بتنظيم داعش، في إشارةٍ إلى رغبةٍ واضحةٍ من معسكر داعمي الأسد في عرقلة أيّ قراراتٍ دوليةٍ لا تصبّ في صالح النظام وروسيا وإيران. وبالمقابل، شدّدت السعودية، على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، على ضرورة رحيل الأسد الذي "بات أمام خيارين، فإما الرحيل عبر المفاوضات مع أطراف المعارضة أو أن يتمّ إسقاطه بالقوة".

على ضوء ذلك؛ يصعب التأكد من واقعية ما سينبثق عن الاجتماعات الدولية القادمة، لكن ما هو مؤكدٌ أن السوريون سيودّعون عاماً جديداً وما تزال جرائم النظام وحلفاؤه مستمرّة.