في جرابلس..
نجاحٌ في الخدمات وتعثرٌ في الأمن والتعليم

خاص عين المدينة

بعد خمسة أشهرٍ تقريباً من تحرير جرابلس من تنظيم داعش عادت مظاهر الحياة العامة إلى طبيعتها في المدينة، وزاد عدد سكانها من بضعة آلافٍ -وقت التحرير- إلى نحو 50 ألف نسمة.

إلى الآن، ورغم الجدل الذي أثارته طريقة تشكيله، نجح المجلس المحليّ إلى حدٍّ مقبولٍ في إدارة جرابلس برعايةٍ لصيقةٍ من الحكومة التركية، التي تزوّد المدينة بالطاقة الكهربائية (لأكثر من 12 ساعة يومياً)، وشغلت مشفىً كبيراً بعدّة اختصاصات، وأسهمت في تشغيل إحدى المدارس بعد ترميمها إلى جانب مستوصف، وساعدت في صيانة محطة تنقية مياه الشرب وشبكتها. وقامت منظمةٌ خيريةٌ تركيةٌ بصيانة الفرن الآليّ وتزويده بثلاثة خطوط إنتاجٍ غطت حاجة المدينة من الخبز. وتتولى منظماتٌ تركيةٌ أخرى معظم النشاط الإغاثيّ للمحتاجين من أهل المدينة وللنازحين فيها، الذين يشكلون ثلثي عدد السكان المتزايد مع استمرار حركة النزوح وعودة الأهالي، ولا سيما اللاجئين منهم في تركيا.

افتتحت ثلاث مدارس حتى الآن، تستوعب نحو 3000 طالبٍ وطالبة، ويعمل فيها 50 معلماً تقريباً. ولم تعتمد بعد منهاجاً تعليمياً واحداً بين المناهج المقترحة، وهي المناهج التي أصدرتها وزارة التربية في الحكومة المؤقتة، والمناهج الحكومية السورية السابقة بعد حذف كل ما يتعلق بحزب البعث ونظام الأسد منها. ولم توضع دراسةٌ خاصةٌ بمعالجة الخلل الناجم عن انقطاع كثيرٍ من الأطفال عن المدرسة لمدّة ثلاث سنواتٍ تقريباً أو أكثر، ومعالجة الآثار النفسية والذهنية التي خلفها تنظيم داعش خلال احتلال المدينة لأكثر من عامين ونصف. ويشكل اختلاط المراحل التعليمية في برنامجٍ مدرسيٍّ واحد، وتفاوت أعمار الطلاب، مشكلاتٍ مضافةً إلى ما تعانيه مسألة التعليم في جرابلس. وبالنظر إلى الواقع التعليميّ قبل الثورة، بعدّه معياراً أولياً للقياس، حين كانت تعمل في المدينة ثلاث مدارس ابتدائيةٌ ومدرسةٌ إعداديةٌ وثانويةٌ للذكور ومثلها للإناث، إضافةً إلى ثانوية فنونٍ نسويةٍ ومدرسةٍ زراعية، لعدد سكانٍ يقارب الثلاثين ألفاً آنذاك؛ تظهر الحاجة إلى مضاعفة الجهود في الشأن التعليميّ، بما يفوق إمكانات المجلس المحليّ المتاحة.

شأنٌ آخر يبدو أشد إلحاحاً في حياة السكان، هو الشأن الأمنيّ. إذ تعاني جرابلس اليوم من بعض مظاهر الفوضى والفلتان، تمثلت في وقوع أربع جرائم قتلٍ إثر مشاجراتٍ كان القاتل في إحداها عنصراً من الجيش الحرّ، وحالات سرقةٍ كثيرةٍ متفاوتة الأهمية. وخرج الأهالي في مظاهراتٍ عدّةٍ احتجاجاً على سلوك بعض المنتسبين إلى الجيش الحرّ، وطالبوا بخروج الفصائل من المدينة وإخلاء مقرّاتها، وبتأسيس جهاز شرطةٍ يتولى حفظ الأمن. كانت المظاهرات فعالةً إلى حدٍّ كبيرٍ في تسريع العمل في هذا الملف، فأعلن المجلس المحليّ عن فتح باب الانتساب إلى جهاز الشرطة الحرّة أمام أبناء المدينة، واشترط أن يكون المتقدم بطلب الالتحاق حاصلاً على الشهادة الثانوية على الأقل، أو أن يكون منشقاً عن سلك الشرطة والأمن لدى النظام. وتجاوز عدد المقبولين في دورة الإعداد والتأهيل لهم مائة شخصٍ حتى الآن، بينهم خريجون جامعيون، ومن المتوقع أن تباشر الدفعة الأولى عملها خلال الأسابيع القريبة القادمة. تبرّر بعض فصائل الجيش الحرّ بقاءها في المدينة بضرورة وجود قوّةٍ مسلحةٍ تفرض الحدّ الأدنى من الاستقرار وتحول دون وقوع انفلاتٍ أمنيّ، وبالمخاطر المختلفة التي قد يشكلها تنظيم داعش. وقد وقعت بالفعل عدّة حوادث متصلةٌ بمحاولات داعش زعزعة الأمن، منها تسلل بعض عناصر التنظيم إلى المدينة، قتل منهم اثنان وألقي القبض على الثالث الذي اعترف -حسب ما يشاع- بتسلل عشرةٍ آخرين لتنفيذ اغتيالاتٍ وتفجيرات. وتدل حادثة التسلل هذه على احتمال بقاء مؤيدين للتنظيم، وربما أعضاء فيه سرّاً، لتقديم خدمات أمنيةٍ ولوجستيةٍ لعناصره المتسللين.

لا يكفي تأسيس جهاز شرطةٍ لتحقيق الأمن. ولا بد من تطوير المحكمة الحالية وتمكينها من القيام بدورها المفترض، معزَّزةً بقوةٍ تنفيذيةٍ لتطبيق أحكامها وجلب المتهمين. ولا بد أيضاً من توسيع كادرها بمزيدٍ من القضاة، وتنويع اختصاصاتها بما يلبّي الحاجات المتزايدة، خاصّةً مع تحول جرابلس إلى مركزٍ اقتصاديٍّ وتجاريٍّ وخدميٍّ رئيسيٍّ في المنطقة المحرّرة الآخذة في الاتساع.