في إدلب.. عمليات النصب تطال عشرات النسوة العاملات

سيدة سورية تخيط الملابس في مخيم كلي للنازحين في إدلب

في سوق العمل المضطربة في محافظة إدلب، تقع الكثير من النساء اللاتي يتولين إعالة أسرهن ضحايا لعمليات نصب واحتيال.

بعض المحظوظات ممن ورثن أموالاً من أزواجهن، أو ادخرن المال خلال سنوات من العمل والجهد والتقشف، اضطررن في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها إدلب إلى تشغيل ما بحوزتهن لدى تجار أو مع شركاء بمشاريع وهمية، قبل أن يلوذوا بالفرار ويتضح أنهم محتالون.

 تقول سليمة (38 عاماً) أن زوجها الذي قتل في غارة جوية قبل ثلاث سنوات، قد ترك لها ولأولادها الأربعة 10 آلاف دولار أمريكي، احتفظت بها لوقت طويل "للأيام السودا" وعندما ساءت الأحوال، بدأت تفكر بالاستفادة من تركة زوجها بمشروع ما يحقق أي عائد مالي. "وعدني تاجر يعطيني ربح 25% ازا شغلت المصاري عنده وأنا وافقت واعطيته المصاري"، لكن وبعد أرباح كبيرة تسلمتها بالفعل مدة شهرين، اختفى التاجر ولم يترك خلفه أي أثر يمكن أن يساعد بالوصول إليه.

 لا تعرف سليمة ماذا ستفعل بعد أن يئست من الشكوى لملاحقة هذا التاجر، في ظل منظومة حكم تفتقد لأي قوانين تحمي النسوة مثل سليمة التي سلمت "أمرها لله" ويؤرقها الإحساس بالندم على تسرعها بمنح "هذا النصاب" الثقة.

لا تنحصر عمليات النصب والاحتيال بالأشخاص المجهولين. في حالات عدة جمع تجار معروفون أموال الناس المشغلة لديهم ولاذوا بالفرار إما إلى تركيا أو إلى إحدى الدول الأوروبية. كانت سعاد (42 عاماً) واحدة من ضحايا تاجر أدوات منزلية، شغلت لديه مدخراتها مدة عام كامل، لكن ولسبب غير معروف هرب هذا التاجر بعد أن باع كل ممتلكاته وبضاعته في السر. تقول سعاد "ما توقعت إنه ينصب علي وعلى اللي مشغلين مصاريهن عنده، كان زلمة معروف وسمعته كويسة" ومثل سليمة قدمت سعاد شكوى ضده لدى الشرطة التابعة لحكومة الإنقاذ، ومن دون جدوى أيضاً.

تتعرض النسوة إلى نوع آخر من عمليات النصب والاحتيال، وهو سرقة الأجر بعد تشغيلهن كعاملات في مشاريع صغيرة بمجالات متنوعة.

تساعد البيئة القانونية الراهنة في إدلب على اتساع هذه الظاهرة، فمعظم الأعمال غير مسجلة ولا يحظى العاملون فيها بحماية قانونية تضمن حقوقهم، فليس لدى العاملة أو العامل مثلاً أي ضمان في حال أنكر رب العمل حقوقهم أو تملص من دفع حقوقهم.

قبل شهر كانت رابعة (40 عاماً) تخطط لشراء مستلزمات التدفئة وتحضير المؤن لفصل الشتاء، مستندة على وعد بتسلم رواتب أربعة أشهر من مدير مطبخ خيري عملت به مع سيدات أخريات. "اتفقت مع المدير على راتب كويس لما بلش المشروع، وصبرت على تأجيل راتبي لحتى يمشي الشغل".

ومع تراكم الرواتب شهراً بعد شهر، كانت سعاد توسع أحلامها الصغيرة بتحسين ظروف عيش أطفالها اليتامى، متحملة المشي كل يوم مسافة طويلة من منزلها في قرية دير حسان ذهاباً وعودة إلى المطبخ. وفي النهاية وبدون سابق انذار اختفى مدير المشروع، ولم تستطع هي أو زميلاتها العثور عليه، بعد أن ظل يخادعهن أشهر عدة ويعدهن بقبض رواتبهن دفعة واحدة ورفع أجورهن في المستقبل وبعد أن ينجح المشروع.

 "أبوهن مات بمرض، وأنا راح موت من القهر بعد ما ضحك علينا ابن هالحرام" تقول سعاد التي تحمل هم هذا الشتاء، وليس لديها الآن ما يكفيها لشراء وقود تدفئة وألبسة شتوية لأطفالها، وفقدت مثل زميلاتها الأمل بظهور مدير المطبخ ليدفع رواتبهن أو على الأقل أن يلاقي العقاب المناسب من قبل أي طرف كان.

عاين المحامي علاء العبد الله في مدينة إدلب الكثير من عمليات النصب والاحتيال التي حدثت في إدلب، والتي لم يتمكن أصحابها من تحصيل حقوقهم فيها لهروب الجاني خارج المنطقة أو لعدم معرفة اسمه الحقيقي وعنوانه الحالي، بعد أن تم اكتشاف أن معظمهم يستخدمون أسماء مستعارة تحسباً لكشف ما يقومون به من أعمال مشبوهة يوماً ما.

ويرى العبد الله أن السائد في سوريا "قانون الغاب، فلا رقابة ولا تفتيش ولا تحصيل حقوق، وغياب الأمن ساهم بجعل القوي يأكل الضعيف، والمدنيون وحدهم المعنيون بأمورهم و بكل ما يحدث معهم من جرائم".