عراقيل وعقبات أمام عمل المنظمات المحلية في دير الزور

من الإنترنت لمدينة دير الزور

بالرغم من الانتقادات الكثيرة الموجهة إليها، تلعب منظمات المجتمع المحلي الناشئة في مناطق نفوذ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في محافظة دير الزور، دوراً مهماً لتحسين الحياة اليومية للسكان، إلا أن ناشطيها يشكون من الطريقة السلبية التي تتعاطى بها "الإدارة الذاتية" أو قسد معهم.

يرتبط غالب عمل هذه المنظمات في ديرالزور بوجود قوات التحالف الدولي في المنطقة، وقد أدى التردد بين إبقاء أو سحب القوات الأمريكية الى توقف نشاط هذه المنظمات وتعليق جميع برامج الدعم التي كانت تقدمها للسكان في هذه المنطقة. إلا أن تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قراره سحب قوات بلاده وإبقائه على جزء منها، أعاد الحياة لنشاط المنظمات، من دون أن يخفف من معاناتها مع بعض المسؤولين المدنيين والعسكريين التابعين للسلطة القائمة.

في دير الزور تنقسم المنظمات الفاعلة إلى منظمات صغيرة محلية خدمية تنموية، ومنظمات إنسانية دولية تعنى بالشأن الإنساني الطبي والإغاثي. عملت المنظمات الإنسانية الدولية على دعم المستشفيات وتهيئة محطات مياه الشرب وإعادة تأهيل بعض المدارس. من أبرز هذه المنظمات solidarites (منظمة التضامن للإغاثة الإنسانية الدولية)، ومنظمة syria relief، ومنظمة كونسيرن، ومنظمة acted (وكالة التعاون التقني والتنمية) بالإضافة إلى الوكالات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. 

أما المنظمات الصغيرة فهي تشكلت بمبادرة من الأهالي، وتعنى ببعض النشاطات الإنسانية إضافة إلى الأعمال الخدمية التنموية التي تقدمها. ويقف خلف هذه المنظمات برنامج دعم متعدد النشاطات يشرف عليه فريق "ستارت" (START (Syria Transition Assistance Response Team/ فريق الاستجابة للمساعدة الانتقالية في سوريا) ويمثل هذا الفريق ما يشبه القنصلية الأمريكية في سوريا. 

تشكيك من الأهالي بعمل المنظمات

تواصلت عين المدينة مع ناشطين في ست منظمات محلية، طلبوا جميعاً ولأسباب أمنية إغفال أسمائهم وأسماء المنظمات التي يعملون فيها. تتشارك هذه المنظمات في تعريف واحد عن نشاطاتها ينشر على صفحاتها على فيسبوك جاء فيه "نحن مجموعات مدنية من أبناء محافظة ديرالزور نسعى لتغطية إهمال السلطات للخدمات الأساسية وتغطية النقص في تأمين احتياجات الناس الضرورية". تعمل هذه المنظمات في الشأن الزراعي لا سيما مشاريع الري ومساعدة الجمعيات الفلاحية المعاد تفعيلها، وكذلك مساعدة مربي المواشي عبر توفير بعض الأدوية واللقاحات، كما تعمل في إزالة ركام الأبنية المدمرة وإعادة تأهيل محطات مياه الشرب وصيانة شبكات الصرف الصحي وخطوط الكهرباء وتشغيل الأفران، وفي حالات أقل صيانة الطرقات على غرار ما حصل للطريق الممتد من الحدود الإدارية لمحافظة الرقة حتى مدينة هجين.

يقول ناشط في إحدى هذه المنظمات "تقدم هذه المشاريع أيضاً فرص عمل لأهالي المناطق المستفيدة منها وإن بشكل مؤقت، كما تساهم في تفعيل دور المرأة وفتح قنوات تواصل مع المجتمع المحلي لإطلاع السكان على طريقة عمل منظمات المجتمع المدني من خلال جلسات حوار وندوات تثقيفية للأهالي". بينما يشكو مدير منظمة أخرى من نقص الخبرات ضمن صفوف هذه المنظمات التي تعتمد بحسب قوله على "جامعيين تنقصهم الخبرة العملية في مجال التنمية وإعداد الخطط والدراسات المالية والتقنية" 

كما تشكو بعض المنظمات من عدم تعاون الأهالي معها. فالعمل يتطلب أحياناً أخذ صور وشرائط فيديو لعينات من المستفيدين المفترضين من هذه المشاريع، لكن الأهالي يرفضون الظهور لأسباب مختلفة منها ذهابهم أحياناً إلى مناطق سيطرة النظام.

من جهة ثانية يتهم بعض من استفادوا من هذه المشاريع المنظمات التي نفذتها بالفساد والمحسوبية وتفضيل الأقارب والأصدقاء. يقول شاب من ريف دير الزور لعين المدينة إنه يعرف مدير منظمة محلية طلب من صاحب مكتبة تزوير فواتير مختومة عبر استخدام برنامج "الفوتوشوب"، لكن الأخير رفض فعل ذلك. وختم هذا الشاب كلامه بالقول "المنظمات تسرق أكثر مما تعمل".
 
رحلة الترخيص ورشاها

وفق المعمول به لدى الإدارة الذاتية، لا بد لكل منظمة ناشئة أن تتقدم قبل انطلاق أعمالها بطلب ترخيص إلى لجنة محلية خاصة بالمنظمات في مجلس دير الزور المدني التابع للإدارة. ولا تبدو مسيرة الترخيص هذه سهلة: فالطلب يقدم إلى مكتب "لجنة المنظمات المحلية" في ريف ديرالزور، ثم يحول إلى الدراسة الأمنية لدى "الأمن الداخلي" الذي يحولها بدوره إلى "الأمن العام"، بعد ذلك يعود الطلب إلى اللجنة المحلية لترسله الى "لجنة خماسية" تضم مسؤولاً واحداً أو اثنين من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (P.Y.D) إضافة إلى مسؤولين في جهاز المخابرات التابع لـ الإدارة الذاتية. وبخلاف ما يتكلم عنه مسؤولون في "الإدارة" بأن البت بطلب الترخيص يجب أن يستغرق شهراً واحداً فقط، لم تتمكن أي منظمة من المنظمات المرخصة التي تواصلت معها عين المدينة، من الحصول على الموافقة قبل مرور أشهر على تقديم الطلب. وإضافة إلى الجهد والمشقة والانتظار، تتطلب هذه الرحلة الطويلة في ملاحقة الترخيص الكثير من النفقات التي يعجز عن تأمينها معظم من يرغبون بالمشاركة في العمل المدني في إطار المنظمات.

خلال مرحلة سيطرتها على مدينة عفرين، أصدرت "الإدارة الذاتية" وعبر "هيئة الثقافة" التابعة لها في المدينة في شهر تشرين الثاني من العام 2015 قراراً بمنع توزيع أو تداول أو اقتناء النسخ المطبوعة من مجلة عين المدينة.

يقول مدير منظمة استغرق ترخيصها ستة أشهر: "الشروط المطلوبة لتقديم طلب الترخيص هي إقامة خمسة من أعضاء المنظمة في مناطق سيطرة قسد، وإعداد نظام داخلي يحدد رؤية المنظمة وشعارها وقانون عضويتها ومجلس إدارتها، والبيانات الشخصية للمؤسسين. بعد ذلك ننتظر الدراسات الأمنية والموافقات، ونلاحقها من مرحلة إلى أخرى". وتابع "ينحصر دور المجلس المحلي في سير عمل المنظمات بإصدار الترخيص بعد الاطلاع على المشاريع المزمع تنفيذها، وتوظيف العاملين في المشاريع (بعد الانتهاء من المشروع وتحوله إلى مؤسسة خدمية)".

يتهم ناشطون مدنيون حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D) ومن ورائه حزب العمال الكردستاني (P.K.K) الذي يتولى أعضاؤه المعروفون ب"الكادرو" عمل المراقبة من الظل، بالهيمنة على ملف المنظمات. إذ يسعى المنتسبون لحزب الاتحاد الديمقراطي إلى الاستفادة الشخصية من عمل هذه المنظمات عبر فرض وتلقي الرشاوى في بعض الحالات للتوسط مقابل تسريع الحصول على الترخيص.

ويقول صحافي يعمل متنقلاً في مناطق قسد لعين المدينة، إن قيمة الرشوة تصل أحياناً إلى أربعة آلاف دولار مقابل الموافقة على طلب الترخيص. كما يقول مدير إحدى هذه المنظمات: "الله يلعن الكاذب.. دفعنا" دون أن يحدد المبلغ الذي دفعه لتسريع أو تسهيل حصوله على الترخيص. ويضيف الصحافي أن تدخل قسد و"بلديات الشعب" والمجلس المدني و"الكادرو المحلي" بشؤون المنظمات لا يقتصر على الترخيص، بل يمتد إلى مسيرة عمل المنظمات بعد ذلك. يقول في هذا الصدد: "يتعاملون مع المنظمات كأنها تابعة لهم، فيحظر على المسؤولين عنها الاجتماع خارج مقرات قسد، كما يمنعون من البت في أي مناقصة ما لم يشرف عليها الكادرو المحلي"، الذي يتدخل حسب الصحافي "حتى في أعمال المراقب الذي تعينه الجهة المانحة لتقييم أداء كل منظمة في كل مشروع تنفذه".

حاولت عين المدينة الاتصال بهيئات مختلفة من الإدارة ذات صلة بشأن المنظمات لإعطائها فرصة الرد على الاتهامات التي توجه إليها. لكن الجميع رفضوا باستثناء أحد المسؤولين الذي سألنا قبل الرد ما إذا كانت عين المدينة "مرخصة من الإدارة" لتتمكن من العمل في مناطق قسد. وعند إبلاغه بأن عين المدينة غير مرخصة، طلب إغفال اسمه ليجيب على أسئلتنا بالقول: "في ديرالزور 38 منظمة مرخصة، وأؤكد لك أن جميع المشرفين على إجراءات الترخيص لم يستلموا ليرة سورية واحدة مقابل أي ترخيص، أما إذا سمحت إحدى المنظمات لأحد ما باستغلالها فهذا شأنها الخاص، فالقانون لا يحمي المغفلين!". وأضاف أن المسؤولين في الإدارة، وبهدف اختصار المدة التي يستغرقها الحصول على الترخيص، عهدوا بهذه المهمة إلى لجنة المنظمات في الكسرة التي سمح لها أيضاً بمنح تراخيص استثنائية لمدة شهر واحد، كما تم تجاوز مرحلة إرسال الطلب إلى الأمن الداخلي.

وأوضح أن هذه التغيرات جعلت عدد المنظمات المرخصة يرتفع من 15 إلى 38، إلا أنه حرص على الإيضاح أن هنالك فقط 15 منظمة تنشط فعلياً على الأرض، وأن العمل جار على وضع قانون اداري جديد يتيح للجنة مراقبة تقييم فاعلية كل منظمة خلال مدة الترخيص المؤقت، وعلى هذا الأساس تجدد التراخيص لثلاثة أو ستة أو 12 شهراً