صفحات التشبيح "الساخرة": ضحكات شرشبيل.. وظرافة البعث

لا يتوقف السوريون، منذ انطلاق ثورتهم في آذار 2011، عن السخرية من بشار الأسد ورموز نظامه. وقد أسسوا لذلك صفحاتٍ متنوعةً على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، أصبحت واحةً أدبيةً واجتماعيةً أثارت حفيظة نظام الأسد ومؤيديه وأجهزته الأمنية، فبات يلاحق كل من له صلة قرابةٍ أو معرفةٍ بمؤسّس صفحة (مغسل ومشحم حمص للدبابات) وصفحة (الثورة الصينية) وصفحة (أبو عبدو الحمصي)، في الأشهر الأولى من الثورة.
ونظراً لعجز أجهزة النظام الأمنية عن إيقاف هذه الصفحات التي نالت من (الذات المقدسة لبشار الأسد)، وانشغالها بقمع المتظاهرات واعتقال ناشطي الحراك السلمي والتنكيل بهم، فقد أطلقت العنان للشبيحة المدنيين وطلاب الجامعات الذين تعود جذور انتماء معظمهم إلى قرى الساحل، لتأسيس صفحاتٍ ساخرةٍ مضادة، وتمويلهم برواتب شهرية من صندوق الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، وهم يعقدون اجتماعاتٍ دوريةً في المقرّات الفرعية لحزب البعث في دمشق واللاذقية وحمص من أجل مواصلة (التصدي) للصفحات الساخرة ومحاولة (تهكيرها)، كما فعلوا حينما هكروا صفحة (نعم للدكتورة أنيسة) الساخرة، وصفحة (المندسون) الساخرة التي أسسها ناشطون وجامعيون من ريف دمشق وحظيت بجمهورٍ سوريٍّ وعربيٍّ واسع.
وغالباً ما تلجأ إدارة صفحة "جيش الدفاع الالكتروني" إلى مراقبة الصفحات الساخرة للثورة وتأسيس صفحاتٍ مضادةٍ لها، كما فعلوا حينما أسس ناشطون مؤخراً صفحة (ليش شاركت بالثورة؟)، التي استقطبت جمهوراً واسعاً وامتلأت بمئات المشاركات يومياً، فأسس عناصر رامي مخلوف على الفور صفحةً مضادةً تحت اسم (ليش ما شاركت بالثورة؟)، التي فشلت في استقطاب جمهور واسع بعد أن فقدت هدفها في تحقيق (السخرية المطلوبة أمنياً) من الثورة ورد الاعتبار لقائدهم الأسد، وخلت من أية فكاهةٍ أو سخريةٍ حقيقية، وعجّت بمشاركاتٍ وتعليقاتٍ طائفية تحرّض على قتل السوريين.
ولكن المثير هو حدوث (ما لا يحمد عقباه) لتلك الصفحة التشبيحية، عندما هيمن عليها ناشطون وشبابٌ من الثوار، تم (اندساس) المئات منهم فيها تحت مسمياتٍ تشبيحيةٍ وهمية، مبرزين صور بشار الأسد ووالده الديكتاتور الراحل، وليشاركوا في صياغة مضامين تبدو للوهلة الأولى مواليةً لبشار الأسد ومعادية للثورة، إلا أنها تظهر فيما بعد سخف الشبيحة وغباءهم، بل وتورط نخبهم بالدم السوري! فتحولت تلك الصفحة التشبيحية والتحريضية وثقيلة الظل و(بقدرة قادر) إلى صفحةٍ ساخرةٍ بالفعل!
إحدى (المندسات) تكتب في تلك الصفحة: "أنا لم أشارك بما يسمى (الثورة) لأنني تعلمت في مدارس الأسد معنى الوطن وأكلت وشربت من هذا الوطن. والثورة الحقيقية التي أنا معها وأشارك بها هي ثورة الثامن من آذار المجيدة التي أعادت الأرض لمن يعمل بها". وكتب (مندسٌ) آخر تحت مسمى (حيدرة الأسد): "أنا لم أشارك بالثورة لأن سيادة الرئيس فهمان و(دارس برا).. ولأن أختي لم تعد تستطيع الخروج من البيت والعودة إليه في الثالثة صباحاً دون أن يتحرّش بها أحد". فيما يشارك أحد (المندسين) بتعليق ظريف: "لم أشارك بالثورة ولن أشارك، ليس لأن أخي وأبي وعمي وخالي وأصدقائي وأولاد ضيعتي كلهم يخدمون في جيش الأسد فداء للوطن، وليس لأنني موظف في الدولة، أو لأن أقاربي يدرسون في بعثات خارجية على نفقة الوطن، بل لأنني ابن القرداحة.. عاصمة الأسد"!
يعجز القتلة عن تقديم ما يوحي بالظرافة وخفة الظل، فتعليقاتهم مرفقةٌ بصور التشفي بجثث الشهداء، وهي أشبه بضحكات المشعوذ "شرشبيل" في المسلسل الكرتوني "السنافر". فهم لا يستطيعون أن يكتبوا ما هو ساخرٌ دون أن يستخدموا مفردات (القومجية) التي ترعرعوا عليها في كنف حزب البعث، وبالاستناد إلى مفردات خطابات ملهمهم الأسد، بدءاً من "سوريا الله حاميها" ومروراً بتسمية "الفورة والسلفيين" وانتهاءً بـ"روسيا الشقيقة"! معتبرين هذا السلوك الأدبي والاجتماعي واجباً مذهبيّاً ووطنياً!
ولعل أكثر ما استطاع شبيحة النظام فعله منذ ثلاث سنواتٍ لإضحاك السوريين بالفعل هو التفافهم حول تمثال حافظ الأسد في مدينة حمص، والطواف حوله مردّدين بكل عبودية: "لبيك يا حافظ لبيك"!