شبح احتباس الأمطار ليس التهديد الوحيد للزراعة في ريفي حلب الشمالي والشرقي

حصادة زراعية في بلدة احتيمالات بريف حلب الشمالي – عنب بلدي

يراقب الفلاحون في ريف حلب الشمالي نشرات الطقس المتوفرة على الأجهزة الخلوية، بينما ما زال يعتمد البعض منهم على طرق تقليدية موروثة تساعدهم على معرفة الأحوال الجوية، في محاولة منهم للحصول على مبشرات تشير إلى إنتاج زراعي وفير، وسط ظروف اقتصادية وديمغرافية قاسية تحاصر الزراعة في المنطقة بأسعار التكاليف العالية وتقليص مساحات الأراضي الزراعية.

يعتمد بعض الفلاحين في مراقبة الطقس على "البواحير"، وهي طريقة تقليدية يستكشفون من خلالها أحوال الطقس لعام كامل، تبدأ بمراقبة الطقس في الأيام منذ 14 أيلول حتى 26 من ذات الشهر، والتي يرون فيها دلالات على طقس السنة كاملة.

على أن جميع من يراقبون الطقس بطرق حديثة أو تقليدية في ريف حلب الشمالي والشرقي، يواجهون شبح الجفاف في ظل ندرة الهطولات المطرية للعام الثاني على التوالي، مما زاد مخاوف الفلاحين من تردي إنتاج المحصول الزراعي لهذا العام.

كما أن الفلاحين الذين يعتمدون على الري الصناعي عن طريق الآبار ليسوا بعيدين عن تلك المخاوف، إذ أن قلة الهطولات المطرية انعكست على منسوب المياه الجوفية التي انخفضت إلى مستويات خطرة، مع تزايد اعتماد المزارعين عليها وعشوائية حفر الآبار، في ظل توقف العديد من مسيلات الماء في الأودية التي كانت تدخل الأراضي السورية قادمة من تركيا وتروي آلاف الهكتارات الزراعية.

ويعتمد نسبة كبيرة من سكان ريفي حلب الشمالي والشرقي على الزراعة كمصدر دخل رئيسي، مع انعدام مصادر الدخل الأخرى التي بدأت تنشط خلال السنوات القليلة الماضية مع ارتفاع أعداد السكان من مهجرين ونازحين.

تحديات ومعوقات

تشكل تلك الظروف المناخية تحديات موسمية صعبة تواجه المزارعين والفلاحين، لكنها تأتي ضمن عوامل متعددة تشكل تحديات لكامل الزراعة في المنطقة، وتقف عائقاً كبيراً أمام الفلاحين في إنتاج محصولاتهم الزراعية التي باتت تنخفض تدريجياً خلال المواسم الفائتة.

يقول عبد الغني الحسين، وهو تاجر محاصيل زراعية يعمل في ريفي حلب الشمالي والشرقي، بأن أبرز المعوقات التي تواجه الفلاحين في ريف حلب الشمالي إلى جانب الظروف المناخية، هي ارتفاع أسعار البذور الخاصة بالزراعة والأسمدة، ذلك "ساهم في عزوف العديد من الفلاحين عن تخديم حقولهم الزراعية والاهتمام بها".

وصل سعر طن القمح المخصص للبذار إلى 450 دولاراً أمريكياً لهذا العام بعد أن كان 225 دولاراً، بينما وصل سعر طن الشعير إلى 300 دولار بينما كان سعره خلال حصاد الموسم الفائت نحو 200 دولار.

أما البقوليات فقد ازدادت أسعارها بشكل كبير، إذ قفز سعر طن الفول إلى 500 دولار من نحو 100 دولار، وسعر العدس إلى 700 دولار من 300 دولار، في حين وصل سعر الطن الواحد من الحمص نحو 900 دولار، بينما كان خلال الموسم الماضي نحو 250.

ويستخدم الفلاحون في ريف حلب الشمالي نوعين من الأسمدة (مركب – ربعي)، فالأول وصل سعر الطن الواحد منه إلى 950 دولاراً بينما كان خلال العام الماضي 450، أما الثاني فقد وصل سعر الطن الواحد منه نحو 850 دولاراً بعدما كان خلال الموسم الفائت نحو 325.

بسام العلي أحد الفلاحين الذين قرروا الإقلاع عن الزراعة لأنها "لم تعد تجدي نفعاً في ظل الظروف المناخية الحالية وارتفاع أسعار البذور والأسمدة المخصصة للزراعة".

يملك علي أرضاً زراعية تصل مساحتها إلى 50 دونم في قريته أرشاف، ومن خلال تجربته المخيبة في موسم العام الماضي، قرر تأجير الأرض مقابل 40-60 دولاراً للدونم، فعدا عن كون الزراعة تحولت إلى مخاطرة كبيرة، تحتاج زراعة أرضه بأي صنف من الأصناف الزراعية الرائجة إلى مبلغ يفوق الـ 1000 دولار.

ويوضح: "الإنتاج الفعلي من المحصول الزراعي لا يغطي ثمن التكاليف، وفي حال وفرة الإنتاج فلا يمكن أن يؤمن الأتعاب، إذ يضطر الفلاح إلى مراقبة حقله طيلة العام دون ممارسة أي عمل آخر".

ومع انتهاء دورة العام الماضي الزراعية، بدأ الفلاحون والمزارعون في ريفي حلب الشمالي والشرقي استئجار الأراضي الزراعية استعداداً للموسم الزراعي الحالي، مستبشرين بتغيرات مناخية قد تساهم في رفع إنتاج محاصيلهم الزراعية، ما ساهم في ارتفاع أسعار الإيجارات للدونم من 15 إلى 60 دولار، إلا أن تردي الواقع المناخي أثر على عملية الزراعة ودفع مئات الفلاحين إلى العزوف عن زراعة المحاصيل وتأجير الحقل مرة أخرى.

المهندس الزراعي قيس حلاوة من مدينة حلب ويدير صيدلية زراعية في مارع، يقول أن بعض البذور بدأت تتعفن في التربة بسبب تأخر الإنبات المرتبط بالسقاية البعلية، ويضيف أن هناك تحديات أخرى تضاف إلى احتباس الأمطار أبرزها "العمران العشوائي الذي بات يسيطر على مساحات واسعة، سواءً من أبنية سكنية أو مخيمات، مع ارتفاع أعداد السكان".

ويربط حلاوة بين ارتفاع سعر الدونم الواحد الذي وصل خلال العامين الماضيين إلى 1500 دولار بعدما كان لا يتجاوز الـ 500 دولار فقط، والتوسع في قطاع العقارات: "بدأ الناس يبنون الأبنية السكنية، وذلك يطغى على المساحات الزراعية".

من جانبه المهندس الزراعي في مديرية الزراعة التابعة للمجلس المحلي في مدينة مارع علي نجار، أكد لـ "عين المدينة" أن مديريات الزراعة تعمل على توفير بعض أنواع الأسمدة والبذور وتقديمها لأصحاب المشاريع الزراعية بالتعاون مع بعض المنظمات الإنسانية التي تهتم بالزراعة، بالإضافة إلى تنفيذ "أنشطة تعليمية" لتحسين الإنتاج الزراعي.

ويضيف: "نعمل في مديرية الزراعة إلى توعية المزارعين إلى أهمية الحقول الزراعية وعدم التطاول عليها في العمران، إلا أننا لا نستطيع أن نؤثر عليهم لأن معظمهم يملكون حقولهم، ولا يمكن أن نقدم أكثر من النصائح".