ديـــر الــــزور
على_ضفتي_الموت

«تئنُّ وحيدةً ويبكيها أهلوها دون غيرهم؛ عقودٌ من التهميش المتواصل؛ سلة الخير وخيرها لغيرها؛ أهل الكرم جاعوا»، هكذا يلخص ابن دير الزور وصفه لمحافظته، وبشكلٍ خاصٍّ في الأعوام التي تلت قيام الثورة.

تعيش دير الزور حصاراً مزدوجاً من النظام والتنظيم. فالأحياء الخاضعة لسيطرة نظام الأسد في مدينة دير الزور تعاني من حصارٍ كاملٍ يفرضه تنظيم داعش ويدخل عامه الثالث في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، ويقتات سكانها على بقايا المساعدات الإنسانية التي ترسلها الأمم المتحدة ويوزّعها النظام بعد أن يسرق عناصره أغلبها. حصارٌ أدى إلى وفاة أكثر من ثلاثين شخصاً نتيجة نقص الغذاء والدواء، بينما يمنع النظام الأهالي من الخروج عبر طائراته المخصّصة لجنوده وموظفيه الكبار. أما القسم الأكبر من المحافظة فلم يتغيّر لونه الأسود عند كل تحديثٍ لخرائط السيطرة منذ الرابع عشر من تموز عام 2014، ويشمل كامل ريف المحافظة وما تبقى من أحياء مدينة دير الزور. يلقى سكانه أقسى أنواع التضييق والتجهيل الممنهج، وهم معرّضون لقصف طائرات النظام والتحالف والطائرات الروسية، مرتكبةً في حقّ مدنييه مجازر عديدةً في مختلف أنحاء المحافظة، ما أدى إلى ازدياد عمليات النزوح واللجوء بعد أن منعها التنظيم وقيّد الخروج من حدوده بشروطٍ معقدةٍ للغاية، ليضطرّ أبناء المحافظة إلى سلوك طرقٍ مختلفةٍ للتهريب، معرّضين أنفسهم لأقسى أنواع المخاطر وبتكاليف ماليةٍ باهظة، ولينتهي بهم المطاف إلى مخيمات الأكراد سيئة الصيت، أو إلى القرى في شمال حلب وإدلب.

لم يأل أبناء المحافظة جهداً في سبيل إيصال صوتها ونقل معاناتها إلى المجتمع الدوليّ ومنظمات الأمم المتحدة. وجرت محاولاتٌ عدّةٌ لتوحيد جهود ثوارها ونشطائها، لم يكتب لمعظمها الاستمرار والنجاح، كمنصة دير الزور للمجتمع المدنيّ وحركة المشرق السياسية وتجمعاتٍ أخرى مهنيةٍ وسياسيةٍ أنتجتها حالة الخوف المستمرّة على مستقبل المحافظة الذي يكتنفه الغموض في ضوء المجريات السياسية والميدانية. ويتحدث عضو المجلس المحليّ لمدينة دير الزور، الدكتور أنس الفتيّح، عن أهمية توحيد الجهود بقوله: «نحتاج إلى التجمع لأن الاستحقاقات الكبرى تحتاج إلى جهودٍ ضخمةٍ لا تتأتى للكيانات الصغيرة، ونحتاج إليه لكسب الشرعية ضمن أي مفاوضاتٍ تدور حول مصير محافظتنا، ونحتاج إليه لإدارة مقدراتنا بالشكل الأمثل، ولأجل أن تأخذ الدير دورها الأصيل ضمن حاضر ومستقبل سوريا».

أغفلت الاتفاقيات الدولية قضية المدنيين في دير الزور، وكان آخرها اتفاق وقف إطلاق النار الموقع من قبل الأتراك والروس وممثلين عن المعارضة المسلحة في التاسع والعشرين من كانون الأول الماضي، ما جعل أبناء المحافظة يتساءلون عن مصير سكانها الذي يلفه الغموض، وخصوصاً بعد تفرّغ الأطراف المتصارعة لحربها على داعش. وكمحاولةٍ للضغط الإعلاميّ أصدر العديد من نشطاء المحافظة وفعالياتها بياناً يطالب جميع الأطراف المتصارعة على أرض المحافظة بتحييد المدنيين، ويطالب المجتمع الدوليّ بالضغط على هذه الأطراف لحمايتهم. يقول الإعلامي فراس علاوي، وهو أحد منظمي البيان: «بعد توقيع بيان وقف إطلاق النار وورود فقرةٍ غامضةٍ حول استهداف مقرّات داعش، كان هناك تساؤلٌ عن وضع 600 ألف مدنيٍّ يقبعون تحت القصف والحصار. حاولنا معرفة التفاصيل عن طريقة التعامل معهم وتحييدهم دون الوصول إلى أي نتيجة، ولذلك قررنا إصدار بيانٍ باسم ناشطي دير الزور يدعو إلى تحييد المدنيين عن الصراع، وحمايتهم من التعرّض لقصف طائرات روسيا والتحالف والنظام السوريّ، ورفع الحصار والموت البطيء عنهم».

تفاعل أبناء دير الزور والمحافظات الأخرى مع البيان وانتشر على معظم الصفحات والمواقع الإعلامية، ما دعا المنظمين إلى تشكيل غرفة عملٍ لإيجاد آلياتٍ لمتابعة الضغط والتوجه إلى مؤسّساتٍ إعلاميةٍ محليةٍ ودولية، وإلى المنظمات الإنسانية، وإيصال الصوت إلى الأطراف المفاوضة. وتم إنشاء مجموعةٍ للتواصل على فيسبوك لهذا الغرض وصل عدد المنضمين إليها إلى أكثر من 2500 شخص خلال 24 ساعة، ونتجت عنها حملةٌ باسم «على ضفتي الموت» بعد التصويت عليه بالأغلبية، وتفاعل معه المشاركون في الحملة بوسمه على حساباتهم على فيسبوك وتويتر. ويقول المحامي رامي عساف، أحد منسقي الحملة: «لاقت حملة (على ضفتي الموت) انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعيّ خلال مدةٍ قصيرة، وتضامنت معها شخصياتٌ وطنيةٌ عامة. ونحن ندعو كافة السوريين إلى الوقوف بجانب أهلهم في دير الزور والمنطقة الشرقية، والضغط بكل الوسائل لإنقاذهم من آلات الموت».