تنانير تعاونية في مخيمات إدلب.. تضامن أهلي في وجه غلاء سعر الخبز

مخيم ضياء2 - بعدسة الكاتب

تحاول النساء السوريات تجريب أساليب مبتكرة للتحايل على خبز اليوم التالي وتجنب الأسوأ، خاصة النازحات منهن حيث الهشاشة لا تصف وضع الخيام فقط، بل تصف الحياة برمتها، في دولة يعيش أكثر من تسعين بالمئة من شعبها تحت خط الفقر، حسب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث. وسط كل هذا بدأت تظهر ما يمكن تسميتها ب"تنانير تعاونية"، التي تشترك في صنعه يدوياً عدة نساء، ثم في استعماله لإطعام أسرهن.

يتجمع عدد من النسوة في الساعة الخامسة صباحاًً حول التنور الواقع في مخيم "الضياء2" في منطقة سرمدا شمال محافظة إدلب بهدف صنع خبز التنور. بعد ان يكون النسوة قد أتممن الاتفاق على تبادل الأدوار في صنع الخبز أثناء الليل، إذ يتم وقتها تحضير العجين وتخميره، ومن ثم تبدأ كل عائلة بجلب عجينها صباحاً لصنع الخبز.

توقد النساء التنانير التي قمن في وقت سابق بتعميرها بأنفسهن، بعد أن استجلبن الرمل الخاص الذي يضمن حفظ الحرارة وتماسك جسم التنور. ومن ثم يوزعن الأدوار في ما بينهن، ما بين مد العجين وتشكيله على هيئة رغيف الخبز ليصبح جاهزاً لوضعه داخل التنور، بينما يستمر التعاون بين النساء حتى الانتهاء من جميع حصص العوائل.

أم عبد الله امرأة خمسينية تختص في وضع الخبز داخل التنور بعد تجهيزه، فلديها خبرة تزيد عن 20 عاماً في صنع الخبز، كونها كانت تملك تنورها الخاص في منزلها قبل النزوح. وتوضح أم عبد الله أن التعاون في صنع الخبز أصبح منتشراً في كل المخيمات، حيث باتت "العوائل تنسق فيما بينها"، ومنهم من يؤجل دوره في استعمال التنور لكي يتاح له صنع خبزه.

تبدي أم عبد الله سعادتها بقدرتها على مساعدة العوائل بصنع خبزهم، وتقول ل"عين المدينة" إنه "حتى لو ما عندي خبز ألي، بروح بساعد العالم على الخبز، لأن هاد اللي بقي من ريحة ضيعتنا".

تزايد التعاون على صنع الخبز في كل صباح في المخيمات تزامناً مع صعوبة يعانيها النازحون في تأمين ثمن الخبز اليومي، وشكلت التنانير المشتركة ظاهرة بدأت بالانتشار، ففي مخيم الضياء2 الذي يبلغ عدد سكانه ما يقارب 3000 شخص، شيدت النسوة سبعة أفران يستعملنها بتعاون وتنظيم يضمن استفادة الجميع منها، خاصة مع رفع أسعار الخبز من قبل "حكومة الإنقاذ" إلى مستويات قياسية وصل معها سعر ربطة الخبز بوزن نحو 500 غرام إلى ليرتين ونصف ليرة تركية.

يحصل النازحون في المخيمات على كيس من الطحين يزن 15 كيلو غراماً ضمن السلة الغذائية الشهرية، ويتعاقد الكثير منهم مع أحد الأفران القريبة على تسليمه الطحين كل شهر مقابل حصولهم من الفرن على كيس خبز واحد كل يومين.

أم عامر تحمل وعاء يضم الفليفلة والزيت وحبة السوداء لكي تصنع الخبز بالفليفلة الذي يعتبر فطوراً شعبياً يغري الكثير من الأهالي، حيث ينتظر الكثير من الرجال على حواف التنور للحصول على رغيف منه. وتشير أم عامر إلى أن عائلتها تحتاج 5 أكياس من الخبز يومياً بثمن 12 ليرة ونصف، "أصبحنا غير قادرين على تحمل أعباء شراء الخبز بشكل يومي لذلك بدأنا بصنع خبزنا بأيدينا".

وتوضح أم عامر في حديث ل"عين المدينة" أن "كيلو الطحين ب 4 ليرات، وكل يوم أشتري خبز بثمن 3 كيلو طحين. كمية الطحين هذه خبزها يكفي يومين". وتشكو أم عامر من عدم وجود وقود للتنور في المنطقة بسبب كون المنطقة لا تحوي أشجاراً أو أحراشاً جبلية يمكن قص الحطب منها، ما اضطر النساء إلى الذهاب مسافات طويلة لجلب الحطب اللازم للتنانير.

وتسبب رفع أسعار الخبز ونقص الكميات بشكل مستمر مع انخفاض الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي إلى موجة غضب واسعة في صفوف المدنيين والنازحين في المنطقة.

من جهته يرى محمد النجيب وهو مدير مخيم في منطقة سرمدا، أن التنانير باتت تظهر بازدياد في المخيمات وبات الاعتماد على خبز التنور يرتفع في ظل انخفاض الاعتماد على خبز الأفران. 

ويعتقد أن رفع أسعار خبز الأفران من جديد متوقع مع تواصل انخفاض الليرة التركية، ويشير إلى أن الكثير من العوائل لم تعد قادرة على شراء كفايتها من الخبز يومياً.

جدير بالذكر أن عدد من المنظمات الإنسانية في شمال غرب سورية تقوم بدعم عدد من الأفران بمادة الطحين، مما يخفف من ثمنها ويرفع من وزنها، ولكنها لا تكفي سوى لعدد محدود من المدنيين.