تركي البوحمد شيخاً مزعوماً لعشائر البوشعبان في سورية والعراق

قبل أسبوعين، وفي الجزء الخاضع لسيطرة النظام في محافظة الرقة، أقامت ميليشيا (جيش العشائر) احتفالاً عاماً دعت إليه ضباطاً برتب عالية وجمعاً من مسؤولي النظام المحليين إلى جانب لفيف من أهل القرى والبلدات في هذا الجزء. خلال الاحتفال  ألبس المعلق التلفزيوني و«المفكر الإسلامي» المتشيع علي الشعيبي قائد (جيش العشائر) تركي البوحمد عباءة مشيخة بدت تتويجاً له شيخاً عشائرياً، ولم تلبث بعيد ذلك  صفحات إعلامية موالية للنظام أن وصفته ب «شيخ عشائر البوشعبان في سوريا والعراق»

في دمشق، وفي الأيام الأخيرة من الشهر الماضي، نظم تركي البوحمد برعاية من ضابط كبير في الحرس الجمهوري، وفق ما يقال، اجتماعاً سماه «مؤتمر العشائر السورية» بناء على وصفه الجديد كزعيم عشائري هو الآخر. وبحسب البوحمد اتفقت العشائر في «مؤتمرها العسكري» على مساندة النظام، وأن يعود أبناؤها «الفارون من الجيش» والمطلوبون له، على أن يخدموا في قراهم لحمايتها من «الإرهاب»  

وفي المقابلات التي أجريت مع مشاركين آخرين في المؤتمر قدموا جميعاً كزعماء عشائريين، وتكررت التأكيدات أن «المؤتمر جيد» وتكررت عبارات الولاء بأنهم «خلف القيادة الحكيمة لسيد الوطن» إلى درجة أن طالب أحدهم ب«تجديد البيعة للسيد الرئيس»

تبدو وظيفة تركي مخلف المرعي المعروف ب (تركي البوحمد) كما لقب نفسه -نسبة إلى عشيرته وقريته اللتين تأخذان الاسم ذاته: البوحمد- مستوعبة في سياق وظيفته الأصلية بعد الثورة كمرشد أمني (مخبر) يقف على حواجز قوات النظام ومخابراته ليدلهم على المتظاهرين ثم المتعاطفين مع الجيش الحر من أبناء الرقة، لتتصاعد أهميته بالنسبة إلى النظام بعد ذلك، فيقود الميليشيا المؤلفة من عناصر متحدرين من قريته (البوحمد/شرق الرقة) والقرى القريبة منها. وإلى جانب وظائفه هذه تطلع تركي إلى تبوّؤ زعامة عشائرية، فأطلق لقب (الشيخ) على نفسه دون أن يحدد دائرة مشيخته، إلى حين أعلنها مؤخراً لتضم قبيلة كبيرة مثل البوشعبان التي تقع قريته البوحمد في منطقة انتشار إحدى بطونها الرئيسية المعروفة ب«السبخة»، والتي تبدأ من قرية العكيرشي وتنتهي قرب الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور. 

أثارت مزاعم تركي عن نفسه سخرية واسعة واستهجاناً حتى في صفوف أتباعه، فانتقد أحد أتباعه المعروفين، وهو المدعو أبو جريج، في تسجيل له تعدي تركي على لقب «شيخ العشيرة» وحدد وصفه في هذا التسجيل بأنه «قائد عسكري لقوات العشائر» لا أكثر، وأكد انضمام تركي، وانضمامه هو وغيرهما من مؤيدين للنظام في مدينة الرقة، لخلية أمنية خاصة تتبع الفرع (242) أحد أخطر فروع مخابرات النظام.

يحيلنا هذا الاستنكار تجاه مشيخة طارئة، ومن أبو جريج الشخص المقرب والمطلع على التشكيل الأولي لميليشيا (جيش العشائر)، إلى حقيقة مفادها أن تركي قد صار شخصا مغامراً في بنية مجتمعه الأهلي المستقر نوعا ما منذ قرون، متخذاََ من حماية النظام والاستقواء به أساساً في تطويع الإرادة الأهلية العامة في المجتمع المحلي.

لا مصالح تسكن في طيات هذا الزعم بالمشيخة على البو شعبان من قبل قائد الميليشيا المرتبطة بإيران إلا مصالح مباشرة تستبطن الاستخدام لهذه «الدون كيشوتية» العشائرية في مشروع إيران الطائفي، الذي سيهدد بلا شك المجتمع العشائري ذي الطبيعة المحافظة، ويعرضه لتصدعات تفكك هويته، وتجعله في موقف الدفاع عن وجوده أمام هذا المشروع.  خاصة أن شيخ البوشعبان المزعوم تركي البوحمد ليس بالشخص الذي يحوز على ثقة مجتمعه الصغير المباشر، فكيف بالمجتمعات العشائرية الأوسع، بما له من تاريخ مشين وسوابق جنائية، فضلاً عن افتقاده لأي تعليم أو ثقافة اجتماعية أو مواهب خاصة تجعله في خانة الرجال المعدودين.

ولكن أنْ يخلع أحد أهم رجال المشروع الإيراني المحليين ممثلاً بعلي الشعيبي عباءة المشيخة على تركي يبدو معبراََ عن اختيار الإيرانيين لهذا الرجل، إلى جانب آخرين في الرقة، كأدوات خاصة متعددة الاستخدام، تتراوح مهماتها بين التنكيل بالمجتمعات وإخضاعها، ثم العبث أخيراً ببنيتها، وصولاً إلى بنية جديدة موائمة ومطواعة ومنفتحة على هذا المشروع.