تحولات مسجد عبد الكريم الرفاعي بدمشق من التصوف العلمي إلى الطرائقي

محمد حسان عوض يسار الصورة إلى جانبه محمد خير الشعال - من وسائل التواصل الاجتماعي

بسلام حار وابتسامة ثابتة يختتم الشيخ الدكتور محمد حسان عوض "مجلس الصلاة على النبي" المقام كل يوم إثنين بعد صلاة العشاء في جامع عباد الرحمن (مسجد عبد الكريم الرفاعي سابقاً)، حيث يحييه المنشد منير عقلة بإنشاد "البردة الشريفة" مع ثلة من المشايخ الدكاترة، الذين ينغمسون في "تجليات ربانية" يديرها عند ختام كل جلسة الشيخ الذي يتسلم شؤون الجامع منذ أكثر من خمس سنوات، محمد حسان عوض.

تحولات المسجد العريق جاءت تبعاً لتحولات جماعة زيد التي كانت تديره حتى العام الثاني من الثورة السورية. فقد جاهرت الجماعة بالوقوف إلى جانب الثورة، يتقدمها شيخها أسامة الرفاعي النجل الأكبر لشيخ دمشق ومؤسس الجماعة عبد الكريم الرفاعي الذي سمي المسجد باسمه، حتى تغيرت التسمية مرتين بعد قيام النظام بنفي شيخ المسجد أسامة، فصار رسمياً منذ العام 2016 يحمل اسم جامع تنظيم كفرسوسة الكبير، ثم جامع عباد الرحمن في ذات العام الذي شارك في نهايته بشار الأسد "بالاحتفال الديني الذي أقامته وزارة الأوقاف بذكرى مولد الرسول" كما أعلنت وكالة سانا حينها.

يمكن إدراج النشاط السابق ضمن مسيرة التحول التي عاشها الجامع في السنوات التي تلت نفي شيخه إلى تركيا. فطالما مثّل مسجد عبد الكريم الرفاعي في سنوات ما قبل الثورة السورية ثقلاً دينياً كبيراً، خاصة مع تبعية أغلب مساجد دمشق وريفها لشيخ الجامع أسامة الرفاعي، فكانت مشاهد الازدحام تتكرر كل يوم جمعة لحضور الخطبة فيه، كما تتكرر في المناسبات الدينية مثل إحياء ليلة القدر أو احتفالات تكريم حفظة القرآن وغيرها.

غير أن هذا الإقبال لم يعد كما كان بحسب رواد الجامع. يوضح جابر وهو أحد مديري معاهد تحفيظ القرآن التي كانت تابعة لمسجد عبد الكريم الرفاعي لعين المدينة أن "المسجد يئن من سطوة الأجهزة الأمنية، ويشكو العزلة، ويبدو كئيباً بعد أن كان لا يفرغ من مجالس العلم والطلبة التي تعمره بحفظ القرآن والإجازات في بعض الكتب كصحيح البخاري ومسلم. شتان بين ما كان عليه وما آل إليه".

وكما يغيب الاكتظاظ، يغيب اليوم عن مشهد الدروس المقامة في الجامع مشايخ الصف الأول المخضرمين من جماعة زيد، كالشيخ طه سكر والشيخ نعيم العرقسوسي الذي انتقل إلى جامع الإيمان وغيرهما. ويحل بدلاً عنهما مشايخ من معهد الفتح الإسلامي بدمشق الذي تأسس على يد محمد صالح الفرفور، ومجمع أبي النور على يد أحمد كفتارو، المعروفين بمواقفهما الداعمة للنظام السوري في تحالف واضح ضد أتباع المسجد القديم.

وهنا يمكن ملاحظة الحضور الكثيف لكل من محمد خضر شحرور خريج معهد الفتح ومدير أوقاف ريف دمشق، ومحمد خير الشعال الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أم درمان فرع دمشق الموجود في مجمع أبي النور؛ إلى جانب محاضرات مدير أوقاف دمشق محمد سامر قباني، خريج معهد الفتح أيضاً، وكل ذلك تحت إشراف شيخ الجامع الجديد محمد حسان عوض.

في الحديث عن الجامع وتحولاته خلال العقد الأخير، لا يمكن إغفال أهم تحول يشهده على يد شيخه الجديد محمد حسان عوض الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أم درمان في السودان، والذي يعمل على نشر "الطريقة السمانية" في دمشق، وهي طريقة صوفية تعلمها عوض خلال دراسته في السودان.

لم تكن الصوفية الطرائقية التي تعتمد على شيخ طريقة يمنح الإجازة بأذكار محددة لمريديه كما هو الحال في الطريقة السمانية، مطبقة ضمن نشاطات المسجد سابقاً، إذ كانت جماعة زيد تكتفي بتربية طلابها على مبادئ "التصوف العلمي" بحيث لا تلتزم بأخذ طريقة تعبدية عن شيوخ متسلسلة إلى "العارف بالله"، وتستعيض عن ذلك بالنشاطات التعبدية التي تقتصر على صلاة التهجد وقيام الليل وجلسة الصفا التي تقام كل جمعة بعد صلاة الفجر وتشمل قراءة لكتاب الأذكار الذي جمعه الشيخ عبد الكريم الرفاعي.

يشكل إدخال محمد حسان عوض الطريقة السمانية إلى الجامع سابقة على مستويين: الجامع، ودمشق. إذ يعتبر عوض الذي يشرف على عباد الرحمن المركزي بالنسبة إلى المدينة وريفها، ممثلاً عن مشايخ الطريقة السمانية في دمشق، وتفيد المعلومات أنه يكرس كل جهوده لنشر الطريقة الجديدة بين طلابه، بالتزامن من نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي حيث أنشأ مجموعات لذات الغرض، محاولاً حث رواد الجامع وطلاب كلية الشريعة على الدخول في الطريقة.