بين جدران إدلب المهدمة.. أغنيات ورسومات ملتزمة بقضايا الثورة والسوريين والإنسانية

رسام الغرافيتي عزيز الأسمر - بنش

يحاول فنانون من إدلب خلق فن ملتزم بقضية الثورة السورية سواء فيما يتعلق بالفكرة الأساسية وهي الصراع مع النظام السوري، أو انتقاد الوضع السياسي والمعيشي في المناطق التي تديرها المعارضة. وفيما نجح بعضهم في الولوج إلى الميديا العالمية حيث تصدر فنه بعض الصحف الكبرى، يلقى ما ينتجه آخرون صدى واسعاً في الداخل السوري وأحيانا محيطه العربي، مثل فنان الغرافيتي عزيز الأسمر ومغني الراب أمير معري.

من داخل بلدة بنش بريف إدلب الشرقي، تقتنص ريشة فنان الغرافيتي عزيز الأسمر، الأحداث العالمية الكبيرة لتوصل رسائل سياسية إلى العالم. ولأن "الرسم لغة عالمية مثل الموسيقا تفهمها كل الشعوب"، تعمد الأسمر رسم لوحات الغرافيتي على جدران وأسقف البيوت التي دمرها النظام السوري، لأنها تساعده في "شرح مأساة الشعب السوري. فخلف تلك الجدران وتحت تلك الأسقف كانت تعيش عائلات حياتها الطبيعية، وفقط لأنها طالبت بحقوقها، إما استشهدت تحت أنقاضها أو أجبرت على النزوح منها" بحسب ما يوضح الأسمر لعين المدينة.

ومن خلال التفاعل مع القضايا العالمية عبر رسمها على جدران البيوت المهدمة في إدلب، نجح الأسمر في كسب تعاطف كثيرين حول العالم مع الأفكار التي يطرحها في لوحاته. يؤكد الأسمر أن ما يفعله "لا يعد استثماراً، وإنما واجب إنساني حتمه علينا الإحساس بمظلومية الشعوب وإسقاطها على معاناتنا".

ويضيف"على سبيل المثال رسمنا مقتل جورج فلويد اختناقاً، لأن طريقة الاختناق مورست على آلاف المدنيين السوريين بالكيماوي وغاز السارين. ورسمنا الطفلة اليابانية ميغومي المعتقلة في سجون كوريا الشمالية، لأننا نملك عشرات آلاف الحالات المشابهة في معتقلات النظام. ورسمنا مارادونا على جدران بيت مهدم بالقرب من مدرسة كانت الفرق تلعب في ملعبها قبل أن يدمرها الأسد". وهو ما فعله مؤخراً في غرافيتي لمراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي قتلت أثناء تغطيتها اقتحام مخيم جنين.

يعتقد الأسمر أن هذه الرسومات تنال تشجيع الناس لأنها تعكس صورة معاناتهم وآلامهم. "خاصة وأن معظم الرسومات يساعدني في تلوينها أطفال قتلت الصواريخ أهلهم".

في حين يحاول الرابر أمير معري من خلال أغنية "على كل الجبهات" مثلاً المضي في اتجاه آخر، يتمثل في توجيه انتقادات لمناطق المعارضة، منطلقاً من أن الفصائل الثورية والجهادية مسؤولة بشكل آو بآخر عن الوضع  المتردي، وعن خسارة مدن وبلدات كانت في قبضة المعارضة ومنها مدينته معرة النعمان.

تقول الأغنية "روح شوف الشعب.. بعد نتائج مؤتمر سوتشي.. تصنع أيدولوجي.. تدمير البنى التحتية.. كلو بيشحد عليك إعلاميين، منظمات خارجية، وفصائل متخاذلة"، بينما تسير الكاميرا في فيديو الأغنية بين البيوت المدمرة في محافظة إدلب، مستعرضة وجوه 62 مدنيّاً من سكان المنطقة.

يشير معري خلال حديث لعين المدينة إلى أن سبب اختياره لفن الراب هو أنه فن خاص بالثورات ضد الفساد بشتى أشكاله، ولأنه أيضاً طريقة غناء وكتابة أكثر تعبيراً من الفنون الموسيقية الأُخرى.

بينما كان النظام السوري يتمدد نحو جنوبي إدلب خلال العام 2019، تم إنتاج أغنية "على كل الحبهات" التي نجحت في رسم صورة أكثر جرأة للفن المعارض، وذلك عبر انتقاد هذا الفن لأجسام المعارضة ذاتها.

ويعزو معري نجاح الأغنية إلى أنها "كانت الأولى من نوعها في القوة والجرأة والكلمات، وحتى في المكان الذي أُنتجت منه، فهي خرجت من أخطر مكان في العالم وفي أخطر الأوقات. كان التصعيد الروسي والسوري على مدينتي معرة النعمان وسراقب وخان شيخون، وأنا في وقت تصويرها كنت نازحاً، وكانت تحكي معاناة الكثيرين في إدلب".

يسعى معري من خلال أغنياته إلى "كسر نمطية الخوف عند الناس"، ف "الخوف لا يصنع الحرية"، في حين يشكو من عوائق تسويقية تخص تعامل شركات الإنتاج مع الرأي العام، ومن متاعب تواجهه في تركيا نتيجة عدم امتلاكه "الكملك"، ما يعيق تحركاته في بلد اللجوء.

على الصعيد الشخصي يدرس معري الموسيقى بشكل أكاديمي، ويحاول مواصلة مسيرته الفنية كرابر سياسي أو اجتماعي، ويختم "ربما في وقت لاحق سأصنع بعض الأغاني بأنماط مختلفة كالجاز والسول".