المرضى في إدلب يشكون من العيادات الخاصة: ارتفاع أجرة المعاينة أصغر المشاكل.. ولكن لا خيار

عادة ما تحدد التجارب الشخصية مدى جودة الخدمة الطبية التي يقدمها الأطباء في عياداتهم للمراجعين والمرضى، وهذا ما عليه الحال في إدلب، التي تفتتح عياداتها الخاصة دون أي شروط سوى وجود شهادة مصدقة، في حين تعمل غالبيتها وفق مزاجية بالمواعيد، وبلا أي مراعاة لظروف الطقس أو الانتظار أو حتى أخلاقيات المهنة، لكن تبقى خيارات السكان محدودة رغم تبرمهم المستمر من العيادات الخاصة.

على باب إحدى الشقق السكنية التي تقيم فيها إحدى طبيبات النسائية عيادتها، جلس أبو جابر المهجر من ريف دمشق (32 عاماً) على إحدى دراجات المبنى واضعاً تحته قطعة قماش صغيرة كان قد أحضرها معه، بينما جلست زوجته في غرفة الانتظار مع قرابة عشرين سيدة معظمهن يحملن أطفالهن بين أيدهن وهم يبكون من ضجرهم مع ارتفاع درجة الحرارة وضيق المكان الذي لا يحوي على أي وسيلة للتبريد.

يقول أبو جابر: "سجلنا موعد منذ الأمس، وأخبرتنا السكرتيرة أن دورنا سيحين الساعة 11 تماماً". ويضيف وهو ينظر إلى ساعة جواله: "الساعة الآن الواحدة إلا ربع وما زلنا ننتظر".

وسط مدينة إدلب تتكاثر عيادات الأطباء الخاصة، وتزدحم معظمها بالمرضى والمراجعين، حيث شكلت موجات التهجير إلى إدلب عاملاً لزيادة الكثافة السكانية وارتفاع عدد الأطباء القادمين من مناطق عدة، كذلك ارتفاع عدد مراجعيهم.

تتباين آراء الناس حول تحديد الطبيب الجيد من غيره، ودائماً ما يتكلم الأفراد عن تجاربهم الشخصية ومدى استجابتهم للعلاج في تقييم أداء الطبيب.

تقول مها (21 عاماً وأم لطفلة) إن طبيبتها النسائية كادت أن تودي بحياتها عندما أخطأت بكتابة اسم الدواء على الوصفة الطبية. "الصيدلانية القريبة من بيتي تعلم أنني حامل، ولذلك سألتني عن سبب كتابة الطبيبة لهذا الدواء، الذي راجعت الدكتورة للاستفهام عنه واعترفت أنها كتبته سهواً".

تكلمت مها المقيمة في معرة مصرين عن تجربتها بأسى، وأما الإجراء الوحيد الذي استطاعت أن تتخذه بحق طبيبتها فهو مقاطعة زياراتها. "حاولت أن أخبر باقي السيدات عن خطأ الطبيبة، ليكونن أكثر حرصاً، أو أن يتجنبوا زياراتها، إلا أنهن لم يصدقن كلامي"، قالت السيدة.

ينتهج بعض الأطباء أسلوب إخافة المريض ليكسبوا زياراته المتكررة إلى عياداتهم، وما يلزمه بدفع أجرة الطبيب التي تكون مخفضة لمرة واحدة فقط في موعد يحدده الطبيب لمريضه.

يقول حمزة (24 عاماً من سرمين) أنه خلال زيارته لطبيب أخصائي جلدية، أخبره أنه عليه مراجعته في يوم محدد، وأنه إن تأخر يوماً واحداً فهو مضطر لدفع الأجرة كاملة. يوضح حمزة أنه كان يعاني من بعض البقع الحمراء التي ظهرت على يده، وكلفته زيارة الطبيب على مدى شهرين زيارة كل أسبوع تقريباً، ليخبره أخيراً بأن ما يعاني منه هي حساسية عادية.

طيلة فترة علاجه كان حمزة متوتراً ويضرب أخماساً بأسداس، فلم يخبره طبيبه بشكل مباشر عما كان يعانيه، رغم عشرات التحاليل التي أجراها له، والتي كان في أثنائها يرسله لمخبر بالذات يحدده سلفاً.

ما عانى منه حمزة كان حساسية عادية، وزالت بعد استخدام بعض الكريمات، وفي فترة العلاج كان الطبيب يكتفي بـ (إن شاء الله خير) وهو يتظاهر بأنه لم يوجد دواء بعد لهذا الداء، "تلك الكلمة، وتعبير وجهه، كانت تشعل النار في صدري، وكانت تدفعني لأدفع أجرة الطبيب دون تفكير"، قال حمزة.

لم تعد مشكلة أجرة المعاينة المرتفعة إلى حد كبير، أبرز المشاكل التي تواجه المرضى في العيادات الخاصة في إدلب، وفق من تحدثت إليهم عين المدينة من سكان إدلب، حيث تنتشر سمة عدم الاهتمام بين معظم العيادات؛ ينتظر المريض لساعات على باب العيادة بينما لا تتجاوز مدة معاينته من قبل الطبيب خمس عشر دقيقة على أكثر تقدير، كما لا يهتم الطبيب بأن يسأل عن تاريخ وحالة المريض، وأول إجراء يتخذه هو نفي تشخيص المرض، وإيقاف كل الأدوية التي وصفها الطبيب الذي سبقه.

وتتراجع الخدمات في هذه العيادات بشكل ملحوظ، حيث تفتقر للتدفئة بالشتاء والتبريد بالصيف، كما أن عدد الكراسي في غرفة الانتظار لا يتجاوز نصف عدد المراجعين، ولا يستطيع المريض مهما كانت حالته أن يحجز دوره إلا بحضوره.

كما أن معظم الأطباء لا يهتمون بالاحتفاظ بإضبارة للمريض، وفي كل زيارة على المريض أن يشرح حالته وتشخيص الطبيب له، وأن يذّكر طبيبه بما وصف له، والأدوية التي يتناولها، بينما يكتفي الطبيب بهز رأسه وهو ينهي عملية الفحص بعبارة "راجعني بعد كذا..."، كما لخص البعض.

عندما كان الأربعيني من مدينة إدلب أبو محمد يهم بالخروج من إحدى العيادات الخاصة بمدينة إدلب، قال للطبيب الذي شخص له مرضه على أنه شقيقة وكتب له وصفة دواء: "إنني أشعر أحياناً ببعض الحرارة"، ليرد عليه الطبيب: "أعطني الوصفة لأضيف لك دواء ضد الالتهاب.. إذا لم ينفعك فليس له ضرر"، وهي الوصفة التي دفعت أبو محمد للإقلاع عن زيارة الطبيب الخاص، والذهاب إلى العيادات المجانية المكتظة بالزوار.

عين المدينة رصدت الأسباب التي تدفع المرضى إلى العيادات الخاصة رغم تبرمهم المستمر منها وارتفاع أجورها نسبياً، فكان على رأسها قلة الخبرة أو حتى التخصص وازدحام المستشفيات والمستوصفات المجانية، بينما تسعى بعض الجهات الرسمية لتنظيم عمل هذه العيادات لكن دون شروط ملزمة في كثير من الأحيان.

تعتبر نقابة الأطباء في إدلب هي الجهة المنظمة لعمل العيادات الخاصة، إلا أن شروط افتتاح العيادات تحددها وزارة الصحة في "حكومة الإنقاذ"، والتي تتلخص بشهادة مصدقة للطبيب تسمح له بمزاولة المهنة، وهو الشرط الذي يعاقب مخالفه بدفع مبالغ مالية وحتى التشميع وإغلاق العيادة، حسب ما وضح "نقيب أطباء إدلب" مالك العطوي لعين المدينة.

وأضاف الدكتور العطوي "تحدد نقابة الأطباء سقف أجور المعاينة دون أن تلزم الطبيب بمبلغ معين، وليس من مهامها مراقبة عمل الطبيب، أو التحقق من مدى خبرته والأجهزة التي يستعملها، أو مقومات تجهيز عيادته، كما لا تشرف أي جهة رسمية على هذه الإجراءات".

بينما تفسح النقابة ووزارة الصحة باباً للشكوى على أخطاء الأطباء من قبل الأهالي، إلا أن هذه الإجراءات تظل شكلية، لا يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على عمل الطبيب، وفق من تحدثت إليهم عين المدينة.