الطائفة الكريمة

منذ 6 سنوات يخوض النظام السوري حرباً مدمّرة ضد الشعب، راح ضحيتها مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين وملايين النازحين والمهجرين داخل سورية وفي البلدان العربية والأجنبية، ودُمّر الكثير من البنى التحتية والمؤسسات المدنيّة. وفي هذه المعركة الكارثية استخدم النظام الطائفة العلوية كرأس حربة ضد الثائرين الذين تمثّلت أغلبيتهم في الطائفة السنّية.

حدث الأمر نفسه في ثمانينات القرن الماضي، عندما أشعل إسلاميون حراكاً هزّ أركان النظام المستبد، فكان ردّه سحق هذا الحراك ومعه كافة أحزاب المعارضة بمختلف تلاوينها الآيديولوجية، واستنفار طائفته للدفاع عنه وسط صمت مريب من المجتمع الدولي، كما يحصل اليوم، مع فارق أن الصمت تحوّل إلى تواطؤ مع النظام للقضاء على الثورة.

ما يلفت الانتباه أن معظم المثقفين والنشطاء المعارضين يصفون الطائفة العلوية بـ«الكريمة»، في تكاذب واضح وحفلة مجاملات لا تنطلي على أحد من الطرفين. الطائفة التي مارست شرائح واسعة منها القتل بالسكاكين وبالفؤوس وبالحرق، كما حصل في الحولة وبانياس وفي عشرات المدن والبلدات المجاورة لقرى العلويين ومدنهم، والتي خرجت تحتفل بمقتل آلاف الناس بالسلاح الكيماوي، والتي شاركت في إلقاء البراميل المتفجرة بواسطة طياريها، والتي تنظر شرائح كبيرة منها إلى بقية السوريين كما لو أنهم غرباء وعابرون ومن مرتبة أدنى وعملاء للدول الأخرى، وتلفظ حتى بعض أبنائها أنفسهم لأنهم وقفوا مع الحق والثورة!!

إذا كانت هذه حال بلاد ترعاها طائفة «كريمة»، تعادي مصالح بقية الشعب، وتعمل تمزيقاً في نسيجه الوطني، وتشرع أبواب البلاد على مصاريعها أمام الغزاة الإيرانيين والروس وسواهم، فماذا كان الحال سيكون لو أن هذه الطائفة لم تسرف في «كرمها»؟

السبب، في قناعتنا، ليس مذهبياً ولا علاقة له بالدين. فمنذ استلام البعث الحكم بعد انقلاب 1963 كان هناك توجّه واضح نحو تطييف الجيش السوري، وهو ما تتحدث عنه مذكرات قادة الحزب والدولة خلال تلك المرحلة، مشيرة إلى دور صلاح جديد وحافظ الأسد وشقيقه رفعت فيه. وبعد أن استلم الأسد الحكم في انقلاب عام 1970 أمسك هؤلاء الضباط، ومعظمهم علويون، بمراكز القيادة الحساسة في الجيش والأمن، وترك لهم الأسد الحرية في فسادهم المعروف. وبعد أن أثروا اتجهوا وانخرط أبناؤهم في القطاع الاقتصادي حتى أحكموا القبضة على البلاد، تساندهم حفنة من اللصوص من مختلف الأديان والمذاهب وفي جميع المراكز التجارية والصناعية والعسكرية. ومن خلال النهب المنظم لاقتصاد الدولة، ودخولهم شركاء بالإكراه لرجال الأعمال السنّة وغيرهم؛ تكوّنت ما يشبه الطبقة الاقتصادية-السياسية-العسكرية من هذه الطائفة، دورها الرئيسي هو الدفاع عن النظام، أي عن ذاتها. ولذلك لم تكن في حاجة إلى النظام ليلوح لها بالخوف من السنّة، فقد أصبح أكثرها مندمجاً بالنظام ومرتبطاً به ارتباطاً عضوياً عبر التمييز، ولذلك كان من المستحيل فكُّ ارتباط هؤلاء به وانتقالهم إلى صفوف الثورة. لكن الطائفة دفعت وما تزال ثمناً باهظاً نتيجة شراكتها الدموية مع آل الأسد، فقد قدّمت عشرات الآلاف من شبانها قتلى ومعوقين. ومن المحزن بالفعل أن هؤلاء قتلوا دفاعاً عن مصالح طائفية ضيّقة أو مصالح مادية لا ينالون منها إلا الفتات، بدل الوقوف إلى جانب أكثرية السوريين في ثورتهم من أجل الحرية والكرامة والعدالة للجميع.

تبقى نقطتان لا بد من الإشارة إليهما؛ الأولى هي انقلاب عدد من المثقفين والمعارضين السابقين من أصول علوية، وبعضهم أمضى الكثير من سنوات عمره في المعتقلات بتهم يسارية، وتحولوا أثناء الثورة إلى مؤيدين للنظام، بل أصبحوا من المتحمسين جداً للقضاء على «الإرهاب وحاضنته الشعبية فكرياً وجسدياً»، أي للقضاء على كل المنتفضين، وهذا الكلام على لسان أحد قادة المعارضة السابقين الذي وصل به الأمر إلى حد أنه أعلن أنه طلب من روسيا التدخل العسكري قبل مدة طويلة من تدخلها، بهدف القضاء على «الإرهاب»!!!

والثانية هي وقوف عدد من المثقفين والناشطين السياسيين والمدنيين العلويين إلى جانب الثورة منذ انطلاقتها وحتى اليوم. لقد قدّم هؤلاء الكثير وضحّوا بالكثير من أجل حقوق جميع السوريين دون استثناء. صحيح أن عددهم وتأثيرهم على الطائفة يكادان لا يُذكران، لكن موقفهم مشرّف وبطولي وسط تخوين محيطهم. مقابل اصطفاف قسم لا يستهان به من حثالات الطائفة السنّية –وسواها- مع القتلة والمجرمين.