الساحل السوريّ بين إيران وروسيا

صرّح رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، في اجتماعٍ مع ممثلي بحريته مؤخراً، أن «إيران قد تسعى إلى إقامة قواعد بحريةٍ في اليمن أو سوريا مستقبلاً». هذه هي المرّة الأولى التي يعرب فيها الجيش الإيرانيّ عن نيّته إنشاء قواعد بحريةٍ خارج أراضيه. المثير في الأمر أنه على الرغم من أن إيران هي الحليف الأقرب للحوثيين فقد انتقد صالح علي الصماد، رئيس المكتب السياسيّ لحركة «أنصار الله»، تصريحات باقري، في حين لم يصدر أيّ تعليقٍ عن الأسد وحاشيته، الحريصين جداً على التذكير بالسيادة الوطنية والخيار السوريّ المستقل في كل مناسبة!

لكن ما مدى واقعية نوايا رئيس هيئة الأركان؟ وأين يمكن نشر الوجود البحريّ الإيرانيّ في الساحل السوريّ؟ وهل سيؤثر على الوجود العسكريّ الروسيّ في طرطوس واللاذقية؟

تمتلك إيران قواتٍ بحريةً محدودةً نوعاً ما، وأغلبها قديمٌ جداً وغير قادرٍ على منافسة أساطيل القوى المتقدمة الرئيسية في العالم. ما يثير شكوكاً حول إمكان زيادة الوجود الإيرانيّ العسكريّ في البحر الأبيض المتوسط، لا سيما وأن على هذه السفن أن تمرّ بطرقٍ معقدةٍ للغاية كذلك. وقد حاولت البحرية الإيرانية استكشاف مياه المتوسط مراراً، لا سيما في عام 2012، عندما أجرت مجموعةٌ من المدمرات وسفن المساعدة التابعة للأسطول الإيرانيّ مناوراتٍ مشتركةً مع البحرية الأسدية. لكن ذلك أحدث ضجةً إعلاميةً عالميةً واسعة، لا سيما في إسرائيل، بسبب مرور تلك المدمرات والسفن عبر قناة السويس بموجب اتفاقٍ سريٍّ بين القاهرة وطهران!

منذ ذلك الحين والمعلومات تتحدث عن بحارةٍ إيرانيين في ميناء بانياس، وعن سفنٍ تنقل الأسلحة والذخائر والوقود -بشكلٍ دوريّ- إلى ميناء تلك المدينة التي تحوي مصفاةً كبيرةً إلى حدٍّ ما لتكرير النفط. ولذلك، من الممكن أن تكون هناك قاعدةٌ عسكريةٌ إيرانيةٌ أيضاً، حسبما صرح الخبير الروسيّ في معهد الشرق الأوسط سيرغي بالماسوف.

وتؤكد بعض المصادر أن رئيس حكومة النظام، عماد خميس، عقد اتفاقيةً مع نظام الوليّ الفقيه في طهران، منتصف كانون الثاني 2017، تنصّ على «تخصيص خمسة آلاف هكتارٍ لإنشاء ميناءٍ نفطيّ»، بينما أوردت مصادر أخرى أن العقد السادس من العقود التي وقعت هناك يضمن «استثمار أحد الموانئ السورية» من قبل إيران.

لم يُعرف بالضبط المكان الذي وقع عليه الاختيار ليكون ميناءً عسكرياً إيرانياً، إلا أن المرجح أن يكون شاطئ بانياس، بالقرب من مدينة طرطوس، حيث يقع المرفأ الذي قامت القوات الروسية بتوسعته في الفترة الأخيرة ليكون قاعدةً عسكريةً دائمةً لها على سواحل المتوسط.

من الواضح أن إيران، التي فقدت مكانتها المركزية في الحرب السورية جرّاء دخول روسيا، ستتعاون مع هذه الأخيرة طالما أنهما حليفتان، تخوضان الحرب ضد خصمٍ واحد: أعداء الأسد في هذه الحالة. وبمجرد أن تنتهي قضية إعادة تنظيم المستقبل السوريّ في الأراضي الواقعة تحت سيطرة دمشق سيحاول الأميركيون جرّ روسيا إلى التصادم مع إيران. من حيث المبدأ، يمكن لروسيا أن تلعب جنباً إلى جنب مع نموّ الوجود الإيرانيّ في سوريا، لأن مصالحها في المنطقة تتقارب مع مصالح إيران لا مع اللاعبين الآخرين: الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والمملكة العربية السعودية.

إذا تركت إيران وحدها في سورية فستضطرّ إلى القتال ضد خصمٍ قويّ، يملك موارد بشريةً هائلةً وقدراتٍ ماليةً قوية، لذلك من المفيد هنا المساومة. إيران شريكٌ صعبٌ وغير مستقرّ، لكن يمكن لروسيا أن تعمل معه. وتعرف هذه الأخيرة أنه في حال قوي نظام الأسد مع داعميه الإيرانيين، في المستقبل القريب، فسيطلبون من الروس مغادرة سوريا بكل بساطة!

كتب تسفي بيرئيل، محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة هآرتس، أن إيران قامت بحساباتٍ سياسيةٍ باردة، ورأت أنها لا تستطيع وقف التأثير الروسيّ في سوريا، ولذلك قررت الانضمام إلى العربة بدل الصدام معها، خاصةً أن الجانبين موجودان في الخانة نفسها بالنسبة إلى بقاء الأسد. هناك شيءٌ آخر يصبّ في مصلحة الإيرانيين البارعين في حفلات الاستقبال الدبلوماسية المختلفة. فهم، بعد مناوراتٍ خفيفةٍ من الاعتزاز بسيادتهم، وافقوا -خلال الصيف الماضي- على تقديم قاعدة همدان الجوية لتستخدمها الطائرات الروسية في شنّ هجماتٍ ضد المعارضة السورية. وهذا ما فسّره يوسي ميلمان، المحلل الإسرائيليّ المختصّ بالشؤون العسكرية والاستخباراتية في صحيفة معاريف، بقوله: «إن رغبة إيران في مساعدة نظام الأسد تتغلب على حساباتها الثانية، لذلك هي مستعدةٌ لتقبل الفكرة رغم حرصها الشديد على سيادتها».