الجدران البنّيّة الباهتة... هل نقول وداعاً؟

أطفال من الميادين | عدسة ليلى

إذا كان طريق العلم محفوفاً بالصعوبات والمشاقّ فإن طريق الأمية سالكٌ دوماً. هذا في الظروف الطبيعية، فكيف يكون الحال والبلد في ثورةٍ قلبت عاليها سافلها؟ إن ضوء الإنذار الأحمر يشعّ أمام كلّ بيتٍ في دير الزور، منذراً بوجود طفلٍ أو أطفالٍ ينضمّون إلى ركب الأمية السائر. إلا أن بصيص أملٍ ينبثق هذا العام ويوحي بشيءٍ من التغيير.

ظاهرة النقاط التعليمية خارج إطار المؤسسات، بشقيها التطوعي والمأجور، بدأت تنتشر في دير الزور بصورةٍ تدعو إلى التفاؤل والتشجيع. "عين المدينة" التقت إحدى السيدات اللواتي يعملن على تشكيل مثل هذه النقاط في مدينة الميادين، وهي السيدة لبيبة محمد (إجازة في التربية، معلم صف). وقبل الحديث عن هذه الظاهرة وضعتنا في صورة الوضع التعليميّ للأطفال النازحين بصورةٍ خاصّة: لا يخفى على أحدٍ الوضع التعليميّ المتردّي الذي يعيشه أطفال دير الزور. فحتى في المناطق التي تحتوي مدارس تستقبل الأطفال، هناك نسبةٌ عاليةٌ منهم دخلت حيّز الأميّة مبكراً. وبعيداً عن المعلومات التي قد لا تستند الى أسسٍ إحصائيةٍ دقيقة، تقدّمها بعض الجهات هنا وهناك، يمكننا مثلاً زيارة تجمع مدارسٍ يعيش فيها النازحون للتعرف على نسبة الأمية بين الأطفال. ففي تجمع مدارس (ابن رشد، أبو تمام، الحيّ الجنوبي، عائشة) يوجد حوالي 80 طفلاً في سنّ الدراسة، منهم حوالي 10 أطفال فقط يذهبون إلى المدرسة - وبشكلٍ متقطع - وحوالي 70 طفلاً لم يجلسوا إلى مقاعد الدراسة منذ عامين، ولا توجد بدائل أخرى كالتعليم المنزلي أو غيره. أي أن الطريق باتجاه الأمية سالكٌ بسهولة.

صيف ديــر الـزور هــــذا العام... صيف الدراسة

عن طبيعة تلك النقاط والدافع وراء إنشائها، حدثنا السيد مرهف مصطفى، وهو معلمٌ، وأحد الشبّان القائمين على إنشاء هذه النقاط، فقال: أعتقد أن عامين من الأمية كانا كافيين لإقناع الناس بخروج المدارس بصورتها التقليدية من مقترحات الحل، وعدم ربط التعليم بها. فقد أدرك العديد من الناشطين أن أزمة التعليم الحالية، التي سببها وجود النازحين في المدارس، قد تطول. ولم يعد هناك من داعٍ لربط التعليم بالمدرسة ذات الجدران البنية الباهتة، ولا بفصل الشتاء. عامٌ دراسيٌّ انقضى ولا شيء يؤكد بأن العام القادم قد يأتي بحلّ، وآلاف الأطفال مهددون بالخطر. وجدنا أن إيجاد مأوىً بديلٍ للطلاب الدارسين أكثر جدوى من محاولة إيجاد مأوىً آخر للنازحين. لذلك تسعى مجموعةٌ من الشبان الآن إلى جمع عددٍ من الأطفال على مستوى الحيّ مثلاً وتقسيمهم إلى صفوف، والبدء بإعطائهم المبادئ الأساسية في القراءة والحساب.
7

بدأت هذه الظاهرة تنتشر، ولله الحمد، في مناطق عديدة. بعضها يتمّ بجهودٍ شخصيةٍ من أبناء المنطقة، وبعضها الآخر بشكلٍ منظمٍ من قبل مؤسساتٍ تعنى بالتربية وتتلقى دعماً من منظماتٍ أوربيةٍ تعنى بالطفولة. وبصراحة، في منطقتنا في دير الزور وريفها عموماً معظم الذين لا يرتادون المدارس هم من أطفال النازحين. فهؤلاء، عدا عن كونهم يحيون شروطاً اجتماعيةً صعبة، إلا أن لديهم ذكرياتٍ عن القصف والدمار تجعلهم لا يرحبون بفكرة ذهاب أطفالهم إلى مناطق التجمعات كالمدارس. لذلك يسعى الناشطون إلى جعل تلك النقاط تحمل شروطاً تهدّئ من مخاوفهم، كأن يكون مكانها في الأقبية مثلاً، وأن يكون الدوام قصيراً، ولا يتواجد في الصفّ الواحد عددٌ كبيرٌ من الطلبة، بالإضافة إلى سعي بعض المنظمات إلى أن تكون تلك النقاط قريبةً من مكان إقامة هؤلاء الصغار. ومما يشجع على تأسيس هذه النقاط وتنشيطها أن هناك العديد من المنظمات التي تعمل على رعايتها وتقديم الدعم لها، فضلاً عن أن فصل الصيف يمكن أن يوفر العديد من العاملين من طلبة الجامعات الذين لا عمل لهم خلاله. وذلك بالإضافة إلى تنشيط عمل القطاع الخاص بانتشار العديد من المعاهد التي تتوجه بخدماتها إلى تلاميذ المرحلة الابتدائية.