البصيرة تقف على قدميها لوحدها.. و(قوات سوريا الديمقراطية) لم تُقدّم لأهلها سوى الحواجز الشكلية

متداولة على الإنترنت

تحظر (قوات سوريا الديمقراطية) "قسد" افتتاح صالات الاتصال عبر الأنترنت في مدينة البصيرة (45 كم شرق دير الزور) بحجة أن المدينة تقع في منطقة عسكرية، لكن ذلك لم يمنع القوات، عبر مجلس ديرالزور المدني التابع لها، من فرض جباية على بعض الخدمات العامة التي توفرت جزئياً بالاعتماد على جهود السكان، ودون أي دور هام للمجلس في توفيرها.

يتواصل أهالي البصيرة مع أقاربهم وأصدقائهم في المناطق البعيدة عبر ما يتاح لهم من تغطية شركتي Syria tel و mtn العاملتين في مناطق سيطرة النظام في الضفة اليمنى لنهر الفرات، وباستخدام السيرفرات الرائجة مؤخراً، بينما يلجأ بعض المحظوظين إلى مقهى سري للأنترنت يقع في حارة فرعية، ولا يستقبل إلا الزبائن المقربين من صاحبها، لذلك تعيش البلدة في عزلة شبيهة بالعزلة التي كانت تعيش فيها عندما كانت تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية"، يُكرّس هذه العزلة توقف شبكة الاتصال الأرضي، نتيجة الخراب الذي لحق بمقسم الهاتف بسبب أعمال السرقة والنهب والتخريب التي طالت المقسم، الذي تحوّل إلى مقر لشرطة "قسد" العسكرية.

ليس انقطاع الاتصالات أو تردّيها هي المشكلة الوحيدة التي يُعاني منها سكان البصيرة، بل ينسحب التردّي على خدمات مياه الشرب والكهرباء، حيث يبذل الأهالي جهوداً كبيرة لتأمين ما يمكن من المياه الصالحة للشرب، عبر وسائل شبه بدائية، فتصل المياه البلدة عن طريق الصهاريج، أو عبر (مضخة الصبحة) على نهر الفرات ثلاث مرات في الأسبوع، وهي الخدمة العمومية الوحيدة التي يفيد منها أهالي المنطقة تحت سيطرة قسد، على أن (بلدية الشعب في البصيرة) التابعة لـ (مجلس ديرالزور المدني) التابع بدوره لقوات قسد لم تترك الأمر يمر دون أن تضع بصمتها، حتى لو كانت البصمة مجرد جباية فواتير المياه.

في حين تمدّ البلدة بالكهرباء في الفترة الأخيرة خمس مولدات خاصة، لثمان ساعات في اليوم، بسعر 2500 ليرة سورية للأمبير، ويعمل فيها ثلاثة أفران آلية خاصة، وتعتمد نظافة الشوارع على المبادرات الأهلية حين يجمع أصحاب المحلات أو البيوت المتجاورة القمامة ويُحرقونها، باستثناء ذلك تعيش البلدة دون جمع القمامة من شوارعها وحواريها.

 يملأ النازحون مدارس البلدة ودُروها الخالية، وتنصّب لهم الخيام بين سكانها الأساسيين الذين لم تضطرهم الحروب إلى النزوح الجماعي، كما في مدن وبلدات أخرى، وتقفز كتلة النازحين العددية بسكان البصيرة إلى أكثر من مئة ألف، أي قرابة ثلاثة أضعاف عدد سكانها الأصلي، كما يُقدرّ مهتمون منها، ما أعطى سوقها زخماً في افتتاح محلات الجملة والمفرق والخدمات والمطاعم، مع المكانة التي نالها السوق منذ سنة ونصف، بعد استهداف طيران التحالف جسر الميادين وبالتالي عزل سوق المدينة المركزي، حينها صار سوق البلدة مقصد الريف المحيط بها، ويشمل جديد عكيدات والبكارة والصبحة والطابية وبريهة والحجنة ودحلة والتوامية والحريجي والزر وشحيل، ويضاف إلى السوق وجود مشفى الحياة للتوليد وكراج للانطلاق نحو الحسكة تفتقر إليهما المنطقة برمتها، شرق ديرالزور على الضفة اليسرى لنهر الفرات.

تنتشر في البصيرة حواجز لفصائل وتشكيلات تدور في فلك قوات سوريا الديمقراطية، ويعمل كل من تلك الفصائل على جانب معين عبر الحواجز، لكنها لم تُفلح في بسط الأمان في المنطقة، فتُلاحق الشرطة العسكرية مخالفات وهروب المتطوعين من أبناء البلدة في قوات (مجلس ديرالزور العسكري)، قبل أن ينسحب المجلس من البلدة، وتُلاحق كذلك المتطوعين في قوات (الدفاع الذاتي) التي تتخذ من الثانوية الصناعية مقراً لها، ويرى البعض أن الدافع وراء انضمام أبناء البصيرة إلى التشكيلين كان النجاة من الخدمة الإلزامية التي تفرضها قسد في أوقات متفرقة.

 إلى جانب القوتين تنتشر قوات (حماية المرأة) التي تشغل مبنى الناحية دون عمل واضح، في ظل مجتمع محافظ يفضل حل مشاكله مع نسائه بنفسه، وبعيداً عن سلطة يقتصر عمل قواتها وفصائلها وأجهزتها على نشر الحواجز، التي لا يأمن المرء على نفسه بعيداً عنها بـ٣٠٠ متر، حيث قد يتعرض للسلب، كما يتردد بين الأهالي، بينما لم تُخصص سلطة الأمر الواقع حتى دار قضاء لفض النزاعات، التي يتدخل الوجهاء لحلها في مضافاتهم ودواوينهم، وباستعمال الاحترام المتبادل وتوازن القوى وعلاقات النسب.

وتُساهم التركيبة الخاصة لمدينة البصيرة، بتحدّر سكانها من جذور عشائرية وعائلية متنوعة، في ترسيخ صبغة خاصة تتمتع به البلدة، التي تتميز بهدوء نسبي قياساً إلى محيطها، وتكاد تخلو من عمليات القتل المتصلة بالثأر، أو السطو بقصد السلب، حتى أن هناك (ناس تمشي بالليل) كما يفتخر الأهالي، في إشارة للأمان، الأمر الذي جعلها، إلى جانب أسباب أخرى، هدفاً للنازحين من البوكمال والميادين وريفيهما في الفترة الأخيرة، وقبلهما من مدينة ديرالزور وريفها.