الإجراءات الدفاعية لتنظيم الدولة في سورية

من إصدارات داعش

لا يبدو تنظيم الدولة، في دير الزور والرقة، متفاجئاً من التهديد المباشر لوحدة أراضيه، رغم أنه اتخذ العديد من الإجراءات للحد من آثار الهجمات عليها في قطع امتداده الجغرافي وتقطيع أوصال دولته القائمة على نهر الفرات.

بدأ التنظيم، في كل من الرقة ودير الزور والحسكة وغيرها، بحفر الخنادق ورفع السواتر الترابية، شمال وجنوب وادي نهر الفرات، منذ أشهر طويلة. وزاد في كثافة توزيعها منذ سنة، مع تقدم قوات سوريا الديمقراطية باتجاه الشدادي، ثم مع الهجوم الخاطف لقوات جيش سوريا الجديد باتجاه البوكمال من الحدود الأردنية، منتصف السنة الفائتة. وقد ترددت الأخبار، منذ تلك الفترة، عن فرض التنظيم ارتداء اللباس الباكستاني على سكان المناطق التي يسيطر عليها، على أن الأمر اقتصر عملياً على فرض هذا اللباس في المدن الرئيسية، كالعشارة والميادين والرقة، وهي التي يوجد فيها عناصره بشكل كبير، ويشرف فيها جهاز الحسبة على اعتقال المخالفين، الذين يصل عددهم في بعض الأيام إلى 300 شخص، كما يفيد أحد التجار في مدينة الميادين، تقوم الحسبة ببيعهم اللباس الأسود بـ6500 ليرة سورية، بينما لم يلاحق سكان الأرياف لارتدائه، عدا عن ظهورهم بلباسهم المحلي في الإصدارات والتقارير. وبحسب ما يدور بين الأهالي، فقد توخى التنظيم من فرض توحيد اللباس تجنيب عناصره عمليات الاغتيال من الجو التي بدأ طيران التحالف بتنفيذها بكثافة، حتى صار البعض في المنطقة يدعون طيارة التحالف «أم علي» في دلالة على فعالية ضرباتها.

وتتواتر الأخبار عن حفر التنظيم الخنادق على الحدود الإدارية بين دير الزور والرقة، لأول مرة، وتدمير مناهل الماء (الخزانات المرتفعة) في القرى القريبة من الموقع، قبل بدء الهجمة التي تشنها هذه الأيام قوات سوريا الديمقراطية بمساعدة طيران التحالف الدولي. وتفيد تسريبات عن قيام التنظيم، فضلاً عن إغلاق الحدود العراقية السورية وإعادتها إلى وضعها السابق بالقرب من مدينة البوكمال شرق دير الزور، بنقل وجمع المواد التموينية والقمح مع الذخيرة الخفيفة في مراكز مهمة في المدن الرئيسية، الأمر الذي بدأه التنظيم في الموصل في وقت مبكر بحسب مقربين من قادته في دير الزور، إذ أخذ هناك بنقل المواد وتخزينها فيها منذ سنة على الأقل. ويضاف إلى ذلك في المدن السورية حفر الآبار الارتوازية، وتهيئة الشوارع لخوض حرب عصابات طويلة، إضافة إلى نصب قساطل إسمنتية في الطرق وملئها بالنفط لاستعمال دخانه في التمويه وتضليل الطيران، في عملية تبدو تجهيزاً لانفصال الولايات عن بعضها، وإعداد كل واحدة منها على حدة لاستثمار الموارد الاقتصادية والطبيعية والديمغرافية الخاصة بها. ولا يبدو هذا بعيداً عن التنظيم الذي حاز قادته وأمراؤه في الولايات صلاحيات كبيرة منذ تمدده، ومارسوا سلطات مستقلة، إلى حد ما، بإشراف اللجان المركزية، التي ستتخلى على ما يبدو عن بيروقراطيتها في إدارة الملفات المهمة في ولايات التنظيم الذي ما زال لديه الكثير من الأوراق ليلعبها.

فعقيدة التنظيم، التي يمر من خلالها الدفاع عن النفس، ما زالت تستقطب عناصر محليين، حتى أن الأحاديث تدور عن مئتي شخص من إحدى القرى النائية فقط، سجلوا في قوائم منفذي العمليات الانتحارية. ويأتي خطر الميليشيات الكردية والشيعية، التي دارت منذ مدة إشاعات عن نيتها الدخول إلى سوريا، كعنصر جذب نحو القوة الوحيدة التي تحاربهما وتقف إلى جانب سكان المنطقة في الوقت الحالي. فضلاً عن الهرب من الفاقة الذي يدفع البعض إلى الانتساب إلى صفوف التنظيم، خاصة في مكاتبه الخدمية والإدارية، والذين تحاصرهم أجهزته، في ما بعد، لحمل السلاح والتوجه إلى الجبهات. سيتولى منطق الحرب، حين تقترب، أمر اصطفاف الأهالي، رغم كل الحسابات، لكن يمكن القول بعد الآن إن التنظيم لن يصمد في أي منطقة ما لم يساعده سكانها في ذلك.

بالتزامن مع القصف الجوي والعمليات البرية ضده، وصعوبة تنقل قواته وسلاحه الثقيل، وانخفاض وارداته؛ بدا إعلام التنظيم أقل حماساً من ناحية المعارك التي يخوضها، فراحت تظهر، منذ أشهر، في تقاريره المصورة، صورة نمطية بائسة عن الغنائم، تختلف جذرياً عن الصورة القديمة التي كانت تقدمها إصداراته في السابق، لكنه لم ينس تصوير الأهالي في مناطق المعارك وهم يخوضون الحرب إلى جانبه.