الأسد وأبوه... أخوة منهج الدمار الشامل

تشكّل العلاقة بين نظامي حافظ وبشار، وبين المفهوم الذي تقوم عليه أسلحة الدمار الشامل، أحد الوجوه الأكثر وضوحاً لنوع السلطة التي سعى الأب إلى بناء ديمومتها، وكرّس الابن صورتها المتوحشة التي تجاوزت حدود استخدامها، باعتبارها مناورة سياسية تقوم على منطق الرعب شبه المؤكد وغير المنفي، إلى الاستخدام العملاني الذي يقارب الانتحارية الجهادية؛ مع انتقال الدولة –النظام إلى الشاطئ الآخر من تعبيرها عن نفسها.

لطالما كان امتلاك النظام السوري أسلحة كيماوية –وربما بيولوجية– سرّاً مكشوفاً لكل العالم، وللسوريين طبعا، خصوصاً وأنّ سوريا لم توقّع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية، إلّا بعد أن تحولت هذه الأسلحة إلى ثمن صفقة بقاء بشار الأسد إثر مذبحة الغوطة الشهيرة. وتكمن المفارقة في أنّ ذرائع امتلاك هذا النوع من الأسلحة المحرّمة دولياً، كانت تُساق على أنّها نوع من توازن الردع مع الأسلحة النووية الإسرائيلية، ضمن خطة «التوازن الاستراتيجي»، التي كانت حجر الأساس في دعاية نظام حافظ الأسد الممانعة، والتي لم تحقق أيّ توازن يُذكر إلّا في إفقار الشعب والدولة في سوريا، لصالح برامج تسلّح لجيش هزمه مدنيون في أوّل الثورة بسرعة مذهلة، دفعت نظام بشار الأسد إلى استحضار احتياطيه الاستراتيجي الحقيقي، وهو تنظيمات إرهابية –سنيّة وشيعية–، وتحالفات موروثة مع إيران وروسيا حوّله استخدامها إلى أجير عند عدة قوى.

في الواقع، فإنّ عقلية «الدمار الشامل» الحاكمة لسوريا لا تتعلق فقط بالأسلحة الكمياوية، فهي مضمرة في كلّ إجراء أو مسار سياسي وأمني وعسكري، اتخذته الطغمة العسكرية والطائفية الحاكمة خلال أربعين عاماً، وهي موجودة في كليّة تعبيرها عن وجودها الفاعل في القرار النهائي الذي أعلنه الشبيحة –والجيش في مقدمتهم– بشعارهم المقيت «الأسد أو نحرق البلد».

يتحول مفهوم الدمار الشامل في هذه الحالة إلى سياسة أصيلة عند النظام، في مواجهة أيّ تهديد حتى لو كان موضعياً ومحدوداً في حجمه وأثره. وعملياً كان يتم «إحراق البلد» عند كل طارئ وإن بصور مختلفة. وما حدث من مذابح في حماة وحلب وجسر الشغور وسجن تدمر إبان انتفاضة الإخوان المسلمين في ثمانينات القرن الماضي، كان فصلاً في عملية «حرق بلد»، اتسعت لاحقاً في صورة موجات من الاعتقالات والإعدامات العشوائية والفوضوية والمنفلتة، كانت أشبه بسلاح دمار شامل ضرب كل مدينة وقرية في سوريا. وشاهد السوريون بأعينهم جثّة القانون، وهي تتلوى مختنقة في شوارعهم ومدراس أبنائهم وأماكن أعمالهم، تحت عجلات سيارات أجهزة الأمن التي استباحت حياة الناس مدنيين وعسكريين.

الاحتفالات المتكررة والكئيبة في كل مناسبة، مرمّزة باسم الأسد أو البعث، كانت أيضا سلاح تدمير شامل يتكرر استخدامه بانتظام، يجعل عدم التعرض له جريمة في توصيف قانون الطوارئ والأحكام العرفية. وسينطبق الأمر نفسه على السياسات الاقتصادية التي دمّرت قدرة البلد على إنتاج أيّ نوع من الرخاء المستقر، نتيجة لمغامرات إرهابية خاضها النظام في أنحاء العالم، ودفع السوريون ثمناً لها من كرامتهم على طوابير التموين. وحتى حين انفكّ الحصار وظهرت بوادر ثروة نفطية –ضئيلة بمعايير الإنتاج العالمي–، فقد عمل مبدأ «الأسد أو نحرق البلد» سريعاً، وانتهت الاكتشافات إلى جيوب آل الأسد وآل مخلوف.

منهج الدمار الشامل، هو أيضاً، سر مكشوف في تركيبة نظامين توارثا مفهوماً طائفياً وبدائياً للحكم، تبدّى في علمانية مزيفة ستالينية جعلت قاتلاً معتوهاً مثل رفعت الأسد قادراً على تشكيل مليشيات خاصة به؛ ليقصف شوارع دمشق نفسها بسلاح تدمير شامل كاد يُفجّر حرباً أهلية، بنزع حجابات النساء، وانتقل إلى جهادية تكفيرية عند بشار الأسد في صورة لطميات، واستسلام ثقافي كامل لمشروع إيران الاستيطاني.. أيضا في شوارع دمشق.