أبو جهاد.. اليد اليمنى لعمر الشيشاني

أبو جهاد وعلى يمينه عمر الشيشاني

أشار الباحث في شؤون أمن شمال القوقاز، العامل في مؤسسة جيمس تاون، مايربيك فاشغاييف، أن المنحدرين من جمهورية قراتشاي-تشركيسيا لا يشغلون أي مناصب عليا في التسلسل الهرمي لتنظيم الدولة الإسلامية، وأن الاستثناء الوحيد هو أبو جهاد الشيشاني الذي عد «اليد اليمنى» للقائد العسكري ترهان باتيراشفيلي (عمر الشيشاني) الذي قتل عام 2016.

أبو جهاد هو إسلام سعيد عمروفيتش آتابييف، مواليد 29 حزيران 1983 في قرية أوست-دجيغوتا، التابعة لجمهورية قراتشاي-تشركيسيا ذات الحكم الذاتي في روسيا، والواقعة شمال غرب القوقاز.

أُرسل عام 2003، مع شقيقه الأكبر شامل، إلى مصر للدراسة في جامعة الأزهر الإسلامية. وقد لاقى صعوبات كبيرة أثناء الدراسة، إلا أنه تخرج عام 2006 بمعدل ضعيف نوعاً ما. ثم عاد إلى بلاده حيث لم يستطع إثبات وجوده كرجل دين وداعية، ما دفعه إلى إجراء اتصالات مباشرة مع أعضاء بعض التنظيمات المتطرفة، ليصبح، في النهاية، عضواً في واحد منها. لم ينتسب لأسباب أيديولوجية بل لأسباب شخصية أنانية بحتة، فقد أحب كثيراً الحديث عن مآثره وبطولاته الوهمية، ما جعل سلطات الأمن المحلية تراقبه وتعتقله في أقرب فرصة.

في التحقيق أبدى آتابييف تعاوناً ملحوظاً، وأعطى معلومات كثيرة عن أعضاء تنظيمه، لتقوم الأجهزة الروسية، بين عامي 2009-2010، بعملية أمنية استطاعت من خلالها تصفية هذا التنظيم تقريباً.

أدين آتابييف إثر ذلك بالسجن لسنة واحدة فقط تقديراً لتعاونه. وبعد خروجه إلى الحرية بدأ الترويج لنفسه كمقاتل لا يستكين ضد الكفر وأتباعه، مظهراً تقوى زائدة. لم يرق هذا الأسلوب للكثيرين، ولم يجعله مصدر ثقة، وتم تجاهله إلى حد كبير، ما دفعه إلى التفكير في مغادرة البلاد.

سافر إلى تركيا بحثاً عن عمل، لكنه لم يجد ما يناسبه، فقرر عبور الحدود السورية والالتحاق بإحدى الكتائب الإسلامية في مدينة أطمة الملاصقة للحدود التركية، والتي كانت مركزاً لتجمع المقاتلين القادمين من روسيا.
هنا تعرف على عمر الشيشاني الذي حاول الاستفادة من مهارته الخطابية باعتباره واحداً من القلائل الذين كان لديهم تعليم ديني ومعرفة جيدة باللعة العربية، فطلب منه الدعاية على الإنترنت من أجل جذب المتطوعين الجدد والتبرعات. وهكذا أصبح أبو جهاد منتجاً غزيراً لأشرطة الفيديو الدعائية على اليوتيوب، التي ظهر في أكثر من نصفها وسط حاشية من الرجال الملتحين المسلحين، داعياً مواطنيه إلى الذهاب إلى سورية والمشاركة في الجهاد.

رغم عمله كمساعد لعمر الشيشاني وانتسابه إلى جيش المهاجرين والأنصار، لم يشارك آتابييف في الأعمال القتالية بسبب عدم قدرته على القتال، في حين شارك بكل امتنان في قطع رؤوس الكثير من المعارضين لتنظيم داعش بعد أن بايعه.

لم يحظ أبو جهاد بشعبية واسعة، واتهم بالاحتيال والسرقة والتهرب من «الجهاد». كما تؤكد صحفية «راديو الحرية»، العاملة في مركز التحليل البريطاني IHS، جينس جوانا باراشوك، بعدما تحدثت مع العديد من المقاتلين القوقازيين وتوصلت إلى أنهم ينظرون إليه نظرة سلبية، واصفين إياه بـ«أبو جهل» أو «أبو الكذب»، إضافة إلى اعتقادهم أنه نصّب نفسه بنفسه أميراً، وحاول مراراً التحريض على الفتنة بين المقاتلين الناطقين بالروسية. كما أكد بعضهم أنه حصل على أموال طائلة من جهات وهابية، فضلاً عن تجارته بالبضائع المسروقة والمصادرة من قبل أجهزة داعش الأمنية، ما مكنه من فتح ثلاثة متاجر خاصة في تركيا.

تمكن أبو جهاد حتى من خداع زوجته وأطفاله، فقد طلب من عائلته أن يتزوج من امرأة أخرى تدعى إيفلين غريشينا من مدينة موزدوك. وبعد ذلك عاد إلى زوجته السابقة سفيتلانا ودعاها، مع ابنته صائمة وابنه أمير، إلى زيارة سورية لمدة قصيرة. لكن أبو جهاد، الذي أصبح شخصاً ذا نفوذ، تمسك بهم بالقوة ولم يسمح لهم بالعودة.

حاول آتابييف دعم فكرة الجهاد في جمهورية قراتشاي-تشركيسيا، وتلقى عدد من المسلحين في إقليم كرتاشييفو-شركيسيا التمويل والمواد الترويجية والتعليمات بشأن إعداد هجمات إرهابية من أبو جهاد الذي طلب منهم المشاركة الحثيثة في الدعاية الجهادية عبر الواتساب، المراقب بشكل كبير من أجهزة الأمن الروسية، ولذلك لقي ثلاثة مسلحين مصرعهم، واعتقل ستة آخرون في كانون الأول 2015 خلال عملية خاصة.

في الواقع، قد تكون داعش هي المكان الوحيد الذي يمكن لأمثال آتابييف، الذي لم يُعرف حتى الآن مصيره، أن يجدوا مرتعاً لائقاً بهم وبطموحاتهم، دون القيام بأي جهد يذكر سوى التجارة اللغوية.