بانوراما تل أبيض

بعد إعلان الفيدرالية، في السادس عشر من آذار المنصرم، اختير منصور السلوم رئيساً مشتركاً لها في تل أبيض، ليترك منصب رئيس مجلس الأعيان لحمدان العبد، طالب كلية الحقوق السابق في جامعة بيروت، الذي انتهت حياته الدراسية بسجنه سبع سنواتٍ بسبب قتله أحد أقربائه من عرب تل أبيض. لكن هذا ليس كل شيء.

حسب شهادات بعض أهالي تل أبيض فإن عمر علوش، عضو حزب الاتحاد الديمقراطيّ، وشخصاً يدعى فرهاد يعمل كمسؤولٍ عسكريٍّ في وحدات حماية الشعب؛ هما الحاكمان الفعليان للمنطقة، أما الهيئات المدنية فهي هياكل شكلية. ويفيد عددٌ من لاجئي تل أبيض في تركيا أن مجلس الأعيان ودار الشعب اتخذا قراراً، في وقتٍ سابق، بالسماح لأهالي سلوك والقرى المهجّرة بالعودة إليها لكن فرهاد رفض ذلك فظلّ القرار حبراً على ورق.

السلطة الفعلية
تسيطر وحدات حماية الشعب الكردية على منطقة تل أبيض، وإلى جانبها وحدات حماية المرأة وقوات الآساييش (الشرطة)، كما يتحدث الأهالي عن قوةٍ أمنيةٍ جديدةٍ عناصرها ملثمون يدعَون بوحدات مكافحة الإرهاب.

بعد أشهرٍ من سيطرة الأكراد على منطقة تل أبيض، في حزيران 2015، أصدرت منظمة العفو الدولية، في تشرين الأول، تقريراً يوثق نماذج من حالات التهجير القسريّ وهدم المنازل كعقاب جماعيّ راحت ضحيته قرىً بأكملها من العرب والتركمان. وأفادت الشهادات في التقرير أن العقاب ليس نتيجة الاتهام بمناصرة داعش فقط، بل بسبب انضمام فردٍ من العائلة إلى الجيش الحرّ. كما هددت وحدات الحماية أهالي القرى بإعطاء إحداثياتهم لطائرات التحالف على أنها مقرّاتٌ لتنظيم داعش.

ويذكر أن التهجير طال قرىً عربيةً تقع على الطريق جنوب تل أبيض خاصّةً، مثل سلوك واصليم البراشمة والمشرفة، رغم أنها لا تقع على خطوط تماسٍّ مع تنظيم داعش، بالإضافة إلى بعض القرى غرب تل أبيض هي على تماسٍّ مع قرىً كردية.

الواقع الديموغرافيّ
تمتدّ تل أبيض، التي تقع شمال الرقة على الحدود مع تركيا، على الشريط الحدوديّ لمسافة 75 كم تبدأ بقرية تل نص في الشرق وتنتهي ببغديك في الغرب. يبلغ عدد سكان مدينتها والمناطق التابعة لها إدارياً قرابة 190 ألف نسمة بحسب إحصاء الأمم المتحدة لعام 2010، يتوزعون على 186 قرية. يشكل العرب النسبة الأكبر من السكان 90.5%، بينما تبلغ نسبة الأكراد 8% يتوزعون في المدينة وفي 16 قرية، ويشكل التركمان والأرمن 1.5%. ما زالت المنطقة تحتفظ بالطابع العشائريّ، وعشائرها الرئيسية هي العساف والمشهور والجيس والهنادة والبوخميس، وهي عشائر عربية.

التمثيل
بعد سيطرة الوحدات الكردية على تل أبيض أوفد حزب الاتحاد الديمقراطي PYD أحد أعضائه (عمر علوش) من أكراد تل أبيض لإقناع العشائر والوجاهات الاجتماعية وأعضاء المجلس المحليّ السابق بالمشاركة في الحكم الذاتيّ، وذلك من خلال مجلس الأعيان الذي يتكون من رئيسين مشتركين، ذكر وأنثى، ورؤساء مشتركين للجانٍ عديدة. ويقوم المجلس بانتخاب عددٍ من الأعضاء للمشاركة في الإدارة الذاتية. وقد اجتمع أول مرّةٍ في التاسع من تموز 2015، واستمرت الاجتماعات حتى السابع والعشرين من الشهر نفسه، ليتمّ اختيار منصور السلوم (عربي) رئيساً مشتركاً مع ليلى مصطفى مسلم (كردية).

مجلس الأعيان
تألف المجلس من خمسين عضواً، 35 عربياً و10 أكراد وخمسة من الأرمن والتركمان. تتفرّع عن المجلس عدة لجانٍ هي:

العرق الرئيس اللجنة
عربي تهامي حاج عبد الله التعليم
عربي محمد طه الزراعة
تركماني إبراهيم خليل حسن القضاء
كردي بانكين عبد العزيز الصحة
عربي، كردية محمد حاج عبد الله، مدنية مسلم شؤون بلدية الشعب
عربية حورية الغانم شؤون المرأة
كردي إسماعيل العيدان الشؤون الدينية
عربي إبراهيم عيسى إبراهيم المصالحة
كردي خالد البوزان شؤون دار الشعب

 

زاد عدد الأعضاء، بحسب مصدرٍ محليٍّ، ليصبح 131، يمثل العرب 60% منهم، إلى جانب 30% من الأكراد، و10% من التركمان والأرمن. وبحسب أحد أعضاء المجلس المحليّ السابق لمدينة تل أبيض فإن مجلس الأعيان، وإن احتوى على تمثيلٍ عربيٍّ أكبر، لا يعدو كونه واجهةً شكليةً ابتدعتها الإدارة الذاتية لكسب شرعيةٍ سياسية. ويضيف أن المجلس لا يملك مقرّاً، ولا اعتبار لأعضائه في تل أبيض، ويقتصر عمله على تنفيذ أوامر الإدارة الذاتية، كعقد اجتماعاتٍ مع الأهالي للحديث عن الفيدرالية.

بالإضافة إلى مجلس الأعيان توجد هيئتان هما دار الشعب وبلدية الشعب. تشكلت الأولى قبل دخول داعش إلى المنطقة، وتتبع لحزب الاتحاد الديمقراطيّ، وتعمل اليوم في منح الأهالي أذون التنقل بين مناطق تل أبيض وعين العرب (كوباني)، إضافة إلى موافقات العمل والتجارة وجلب البضائع من الخارج. أما الثانية فتعمل على تسيير خدمات المياه والكهرباء وتنظيف الشوارع.

الانضمام إلى عين العرب (كوباني)
في 21 تشرين الأول الماضي قرر مجلس الأعيان ضمّ تل أبيض إدارياً إلى "كانتون كوباني"، ما ترتب عليه انتقال المركزية إلى عين العرب (كوباني) والعودة إليها في كافة القرارات التي تخصّ تل ابيض وترتيباتها الاقتصادية، كعائد الضرائب التي تنوي الإدارة الذاتية تحصيلها من الأهالي كما يذكر دستور الإدارة الذاتية الخاصّ بـ"مقاطعة الجزيرة". ومنذ ذلك الحين يتحدث الأهالي عن امتيازاتٍ تقدمها الإدارة الذاتية لعين العرب (كوباني) على حساب تل أبيض من ناحية الخدمات والإغاثة.

الخدمات
سيطرت القوى الكردية على تل أبيض دون أن تكون قد تعرّضت لدمارٍ كبير، ما سهل الاستمرار في تقديم الخدمات من قبل هيئاتٍ ومنظماتٍ مستقلة، على أن الإدارة الذاتية لا تقدم شيئاً باستثناء دعم مادة الخبز.

  • الكهرباء: مقطوعة منذ سيطرة الأكراد. وكانت صفحاتٌ إعلاميةٌ كرديةٌ نشرت عبر الفيس بوك، منذ آذار الماضي، أن ورشات بلدية الشعب تعمل على تمديد خطٍّ كهربائيٍّ من سدّ تشرين إلى المنطقة، لكن ذلك لم يتم حتى الآن. ويؤمّن الأهالي الكهرباء عن طريق المولدات الأهلية.
  • المياه: تعنى منظمة concern بتقديم خدمات المياه. فمحطة تصفية المياه الوحيدة خارجةٌ عن الخدمة لوقوعها في مناطق التماس مع تنظيم داعش. ويعتمد الأهالي على الآبار الارتوازية، وتقوم المنظمة بتقديم لوازم حفر الآبار وتعقيم المياه.
  • الصحة: المشفى الوطنيّ في تل أبيض هو النقطة الطبية الوحيدة في المنطقة، ويعاني من نقصٍ شديدٍ في الكوادر والمستلزمات الطبية، ويقتصر دوره على تقديم بعض المعاينات والأدوية بدعم من منظمة IRC. ويتلقى موظفو القطاع الصحيّ في المشفى الوطنيّ رواتبهم من وزارة الصحة التابعة للنظام السوريّ. ويتجه الأهالي إلى الحسكة أو إلى القامشلي لإجراء العمليات الجراحية والعلاج.
  • التعليم: المجمع التعليميّ في تل أبيض مسؤولٌ عن المدارس فيها. وكانت وزارة التربية التابعة للنظام قد أرسلت الكتب للمدارس التي أعيد افتتاح عددٍ كبيرٍ منها بالكوادر القديمة نفسها، ولا يزال هؤلاء يتلقون رواتبهم من الوزارة. إضافةً إلى معلمي اللغة الكردية الذين خضعوا لدوراتٍ في عين العرب (كوباني).

الحياة اليومية
ليست هناك في تل أبيض هيئةٌ قضائية، سواء أكانت مستقلةً أو تابعةً للوحدات الكردية. والآساييش هي الجهة المسؤولة عن استلام الشكاوى وحلّ النزاعات رغم تعيين (منذ أيام) محمد التايه، خريج الفلسفة وطالب السنة الثالثة في كلية الحقوق في الجامعة الافتراضية، قاضياً أول في تل أبيض. وقد وثق ناشطون من الأهالي 13 حالة تجنيد طفلاتٍ ضمن وحدات حماية المرأة، عن طريق معلماتٍ كردياتٍ قمن بإقناعهنّ بالانضمام. وبحسب قريب إحدى الفتيات فقد هُدّد والدها بالطرد من تل أبيض إذا حاول استرجاع ابنته. تقدم الإدارة الذاتية الطحين للأفران في المدينة بسعرٍ مدعومٍ، لكنها تحصر تجارة المحروقات بالعنصر الكرديّ. وتفيد الكثير من الشهادات أن الإدارة تمنع أيّ عربيّ، سواء أكان من أهل المنطقة أو من خارجها، من الدخول إليها إلا بعد الحصول على كفالة أحد أكراد المنطقة. كما يتعين على العرب التقدم إلى دار الشعب للحصول على إذنٍ في حال أرادوا السفر إلى خارج تل أبيض، بينما يتنقل أكراد المنطقة بحرّية. ويحتاج الأهالي إلى السفر إلى الحسكة أو إلى القامشلي للقيام بأيّ إجراءٍ يخصّ السجل المدنيّ، كحالات الزواج والطلاق والولادة.

لقاء أضنة
حاول أعضاء من المجلس المحليّ السابق في تل أبيض، وعددٌ من الشخصيات العشائرية، العمل مع الإدارة الذاتية، لكنهم انكفأوا بعد مناقشة عدّة أمورٍ تخصّ إدارة المنطقة وعودة المهجّرين وإخراج المعتقلين لدى القوى الكردية، وساءت العلاقة بين الطرفين عند ذاك الحدّ. وقد حاولت شبكة أمان (وهي مشروعٌ لفضّ النزاع مدعومٌ من مركز المجتمع المدنيّ والديمقراطية CCSD) التدخل بين العرب والإدارة الذاتية في تل أبيض فعقدت، في تشرين الأول الماضي، لقاءً بين الطرفين في مدينة أضنة التركية، حضره ممثلون عن حزب الاتحاد الديمقراطيّ ومجلس الأعيان ووفدٌ يمثل أهالي تل أبيض، بالإضافة إلى ممثلين عن مركز المجتمع المدنيّ والديمقراطية. وتمّ الاتفاق على عددٍ من النقاط، أبرزها:

  • علم الثورة يرفع في أيّ مكانٍ بمنطقة تل أبيض.
  • توسيع مجلس الأعيان ليضمّ أكبر شريحةٍ من أهالي المنطقة، على أن يكون هو السلطة التشريعية والرقابية على الهيئات والمؤسّسات التنفيذية فيها.
  • الإفراج الفوريّ عن المعتقلين ممن لم تثبت في حقهم جرائم دمٍ أو سرقة.
  • تفعيل عمل لجنة العدالة وضمان استقلاليتها، على أن تعمل وفق القانون السوريّ.
  • تشكيل لجنةٍ مدنيةٍ مستقلةٍ مهمتها التحقيق وتوثيق كلّ الانتهاكات التي وقعت في حقّ المواطنين بعد تحرير تلّ أبيض من النظام السوريّ.
  • عودةٌ فوريةٌ للمهجّرين من أهالي تل أبيض.

وبعد عودة وفد الأهالي اعتقلت الوحدات الكردية أحد أعضائه، كما قامت قوات الآساييش بمصادرة سيارة آخر، وهددت ثالثاً بالاعتقال مما اضطرّه إلى مغادرة المنطقة. ولم ينفذ أيّ بندٍ من الاتفاق باستثناء إفراج الوحدات الكردية عن 89 من معتقلي عرب تل أبيض، كما لم تقم شبكة أمان بمتابعة الموضوع كما وعدت.