قناة المنار

«في عيد الفطر كانوا يحصدون أراضينا، وفي عيد الأضحى كانوا يقطعون أشجار الزيتون»؛ هكذا لخص الوضع أحد سكان القرى المحتلة من قبل الميليشيات الشيعية، الذين يمرون ببيوتهم وليس لهم سوى حق النظر إلى خرابها.

منذ بداية الثورة نشأت ميليشيات خاصة في بلدتَي نبّل والزهراء، الشيعيتين، بريف حلب. وتلقتا دعماً خاصاً من إيران بالرغم من الحصار الشكلي الذي كان مفروضاً عليهما، فالطريق عبر عفرين مفتوح، ومروحيات النظام ترمي لهم شتى أنواع المساعدات، كما أن التهريب عبر مناطق سيطرة الجيش الحر لم ينقطع.

في بداية عام 2016، وتحديداً في الرابع من شباط، تمكنت الميليشيات المتقدمة من محور السجن المركزي وقرية باشكوي، من الالتقاء مع الميليشيات المتقدمة من نبّل والزهراء، في قرية معرستة الخان التي تقع إلى الشرق من هاتين البلدتين بحوالي 6 إلى 7 كم. وهكذا فك الحصار، بمساعدة الطيران الروسي الذي استمر في القصف طيلة أكثر من أسبوعين على المحور المراد اجتياحه والقرى المحيطة بطريق الاجتياح، حيث جرت أعنف معركة قتل فيها على الأقل حوالي 60 من المدافعين عن تلك القرى.

ومنذ ذلك التاريخ تقاسمت ميليشيات نبّل والزهراء السيطرة على القرى السبعة المحيطة، ثلاث تشرف عليها ميليشيات نبّل، وأربع لميليشيات الزهراء، والقيادة واحدة: الحرس الثوري الإيراني.

وأصبحت هذه القرى مملوكة بكل ما فيها للميليشيات، بعد نصب الحواجز على مداخلها ومخارجها، إلى آخر حاجز لهم عند قرية دوير الزيتون، ويليه مباشرة حاجز لقوات النظام.

بالطبع كان التدمير في بعض القرى أبشع من غيرها؛ فقرى تلجبين ورتيان ومعرستة الخان كان لها النصيب الأكبر، ولكن هذا لم يمنع الميليشيات من نهب تلك القرى بكل ما فيها، أو كل ما بقي منها، من أثاث ومفروشات ونجارة وأبواب، وصولاً إلى اقتلاع أرضيات البيوت، إلى أن أصبحت تشبه الخرابات القديمة. وكل هذا كان ينقل إلى بلدتَي نبّل والزهراء، وبطقوس تحلل نهب وسبي هذه القرى والبلدات.

ولم تكتف الميليشيات بنهب البيوت وما فيها، إذ باشرت بزراعة وحصاد أراضي تلك القرى واستثمار كرومها، بمساعدة من بعض الشبيحة في القرى المجاورة التي احتلتها ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd). وبالمناسبة فالحدود بين هذين الطرفين آمنة، ولا تبعد إحدى النقاط سوى 2 كم.

ومن سخرية الأقدار أن بعض أهالي هذه القرى المحتلة، ممن هجّروا إلى القرى المجاورة، ذهبوا ليعملوا بالأجرة في أراضيهم لدى تلك الميليشيات، دون القدرة على الإفصاح عن شيء خوفاً من الاعتقال والإهانات.

فبعد قتل وتشريد البشر جرى تدمير ونهب الحجر، وبعدها قطع الشجر؛ ليكتمل بذلك مثلث البشاعة البربري الذي تمارسه الميليشيات الشيعية، ويكشف عن حقيقة مشروع الولي الفقيه في بلادنا، وهو تحويل التنوع إلى انقسامات مدمرة.

ولكن هل يدرك سكان هاتين البلدتين، الذين يبلغ تعدادهم بين 60 إلى 70 ألف نسمة، أن مصيرهم مرتبط بالتعايش مع سكان القرى المحيطة؟ وأنه لا يمكن اقتلاع سكان هذه القرى والبلدات من جذورهم، مهما قامت ميليشياتهم بعمليات تضاهي أفعال الصهاينة في مشروعهم الاستيطاني؟ وأن المشروع الإيراني متناقض تماماً مع حياتهم ومستقبلهم الذي لا يمكن أن يكون إلا بالتفاهم مع جيرانهم؟ وهل يدركون مدى الحقد الذي تزرعه تلك الميليشيات في نفوس أبناء القرى المجاورة، وأي آثار تترتب على ذلك؟

كان الدور الإيراني يعمل -منذ ما قبل الثورة- على إثارة هذا التمييز، ومحاولة انتزاع البلدات الشيعية من محيطها وتدمير هويتها وانتمائها إلى سورية. فعمدت إيران إلى إقامة الحسينيات، التي كانت بمثابة مراكز لنشر الفكر الشيعي بنزعة عدائية للآخر، إضافة إلى كونها مراكز تجنيد وتشييع للبعض من خلال المكاسب الآنية مثل البعثات العلمية للطلبة إلى إيران، وتقديم بعض المنح والرواتب، ورعاية بعض المناسبات الاجتماعية، وبعض الخدمات الأخرى. لكن دولة الولي الفقيه تكشف اليوم عن وجه أكثر بشاعة في تنفيذ مشروعها الذي يقتضي تدمير مجتمعنا بعد بلدنا، وإقامة صدوع لا تنتهي بين الناس والطوائف.

ما يجب أن يعيه سكان تلك البلدات أن أي جماعة أجنبية لا بد أن ترحل في النهاية، وأن سلطة الملالي لا يمكن أن تشكل حماية أبدية لهم، وستمضي ذات يوم مهما كبر طغيانها، وأن حياتهم مع جيرانهم في سورية هي الضمان الحقيقي لهم في وطن للجميع، دون الطغاة وداعميهم. فقد انطلقت الثورة لتطالب بالحرية والكرامة للكل دون تمييز، وضد سياسة التمييز الطائفي التي ينتهجها النظام، ولم تكن موجهة ضد السوريين أياً كان انتماؤهم الديني أو المذهبي.