إدلب.. هوامش الجحيم.. تفشي عمالة الأطفال في الشمال السوري

"بلد ليست بلدي وأطفال لا أعرفهم، ومنذ فترة قصيرة أتينا إلى هنا، فكيف سأذهب إلى المدرسة وأنا لا أعرف أحداً؟ سأتعرض للخطف لا محالة".

هذا هو السبب الذي يدعو الطفل نمر لترك مدرسته والالتحاق بسوق العمالة في "ورشة تصويج السيارات" في السوق الصناعية في منطقة مخيمات أطمة في ريف إدلب الشمالي. نمر في الثانية عشر من عمره، نزح مؤخراَ من ريف إدلب الجنوبي بسبب حملة النظام والطيران الروسي الشرسة، ولكنه ترك مدرسته في مكان نزوحه والتحق بسوق العمل.

يقول نمر: "كنت في قريتي من الطلاب الأوائل، ولكن بعد نزوحنا إلى منطقة جديدة لا أعرف فيها أحد لم يعد يمكنني أن أذهب إلى المدرسة، لا يمكنني أن أنسى قريتي ومدرستي، لكنني أشعر أن الدراسة لم تعد مجدية بالنسبة إلي". ويضيف: "العمل هنا صعب، ولكن يجب أن أتعلم مهنة لأعمل بها عندما أكبر، لأن التعليم كما يردد الكبار دائماً لم يعد ينفع في الحرب".

تفشت ظاهرة عمالة الأطفال في مناطق المخيمات بشكل كبير وملحوظ، خاصة في أواخر العام 2018 والعام 2019، وفي حديث لعين المدينة مع المهندس محمد حلاج مدير "منسقو استجابة سوريا" يقول: "تم تسليط الضوء على عمالة الأطفال في الفترة الأخيرة بسبب موجة النزوح الأخير، ولكن الظاهرة موجودة من قبل الثورة والأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة هي نفسها قبل الثورة، ولكن زادت وتيرتها بعد العام 2011. من هذه الأسباب انخفاض مستوى الدخل لرب الأسرة، خاصة في العوائل الكبيرة، وقلة الوعي والفقر والعوز، ولذلك نرى تفشي هذه الظاهرة بشكل مطرد".

ويتابع الحلاج: "بالنسبة إلى سوق العمالة وأماكن انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير، تأتي في المرتبة الأولى مناطق المخيمات بشكل عام على الحدود مع دول الجوار، في تلك المناطق هناك مناطق صناعية تستقطب القسم الأكبر من الأطفال بأجور زهيدة لا تتناسب مع الجهد العضلي والتعب البدني الذي يبذله الطفل".

وعن النسب المسجلة لعمالة الأطفال في تلك المناطق يجيب الحلاج: "لا يمكننا الحديث عن أعداد متعلقة بهذه الظاهرة لأننا في وضع حرب، ولكن يمكننا الحديث عن نسب متعلقة بها، وذلك من خلال الاطلاع على نسبة الأطفال المتسربين من المدارس في المخيمات، حيث تظهر نسب التسرب المدرسي مدى ارتفاع نسبة عمالة الأطفال خاصة في الفئة العمرية بين 6-15 عاماً".

من جانبه يرى الأستاذ رشاد غنام مدير حالة مع الهيئة الدولية للإنقاذ "IRC" أن أسباب ظاهرة عمالة الأطفال تتفاوت بحسب الحالة التي يتعرض لها الطفل، كموت أحد الوالدين، أو جهل أولياء الأمور بأهمية التعليم، أو شدة الفقر، أو حتى انعدام التعليم المدرسي والتوعية من قبل المدارس بخطورة هذه الظاهرة.

ويستدرك غنام بقوله: "الطفل يدخل إلى سوق العمل من عدة أبواب، فيمكن أن يدخل عن طريق العمل مع والده، أو أحد أقربائه، وهنا ليس بالضرورة أن يكون الفقر هو السبب، أو يمكن أن يدخل إلى سوق العمل مع أشخاص غرباء، لكونه يريد أن يتعلم مهنة منذ صغره".

بدوره يقول حسام الخلف أحد العاملين في قسم الدعم النفسي لمنظمة "GOAL" العاملة في سوريا: "صراحة لا يمكننا أن نلغي أو نقضي على هذه الظاهرة المنتشرة بكثرة، وخاصة في ظل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة، ولكن يمكن الحد من انتشارها وتقليلها بعدة خطوات يمكن أن تترجم على أرض الواقع، ولكنها تحتاج إلى تضافر جهود الجهات المعنية بالدرجة الأولى، والمنظمات الإنسانية بالمرتبة الثانية، مع بعضها البعض".

ويوضح الخلف: "يمكنني أن أذكر بعض الوسائل التي من خلالها يمكن مكافحة هذه الظاهرة، في الدرجة الأولى الاهتمام برفع المستوى المعيشي لأرباب الأسرة وتوفير فرص عمل لهم، ثم يأتي في الدرجة الثانية حملات التوعية بخطورة عمالة الأطفال من ناحية صحية ومن ناحية ثقافية واجتماعية، ومن ثم يأتي في الدرجة الثالثة حملات العودة إلى المدرسة، وتوجيه خطة المدارس التعليمية إلى التوعية بخطورة الظاهرة، ناهيك عن الحملات الإعلامية والدعائية التوعوية".

أبو حسن نازح من ريف حماه إلى الحدود الشمالية السورية، يقول لعين المدينة: "يعمل في ورشتي طفل في سن المدرسة، ولكن ذويه أرسلوه إلى العمل حتى يساعدهم في المعيشة ويتعلم مهنة يعمل بها، لأننا في حالة حرب ولا بد للمرء من أن يمتلك مهنة يواجه بها هذه الحياة". ويؤكد أبو حسن: "أنا لا أحب أن يعمل الأطفال في هذه المهن، ولكن الأوضاع المعيشية صعبة في المناطق المحررة، ومن ناحيتي أجد الأسباب التي تدفع إلى انتشار هذه الظاهرة مقنعة"