AFP

آلان غابون
26 حزيران عن موقع The Middle East Eye
ترجمة مأمون حلبي

لا يمكن الوثوق بقادة الغرب في دعم ديمقراطية حقيقية في الشرق الأوسط، لأن مصالحهم فوق كل الاعتبارات. إن الدرس الأبلغ الذي يعطينا إياه موت محمد مرسي رئيس مصر السابق، هو إن كان لدمقرطة العالم العربي أن تتحقق، فهي ستنتج ضد إرادات الحكومات الغربية أيضاً.

بالرغم من الصمت المطبق والفاضح من قبل الحكومات الغربية، فإن جريمة القتل بحق أول رئيس مدني مصري يُنتخب ديمقراطياً -لأنها كانت جريمة قتل، بطيئة لكن ممنهجة ومتعمدة- هي حدثٌ عالمي كبير، وليست مجرد تفصيل تاريخي بسيط كما يريد لها الكثيرون أن تكون.

لقد ابتدأ الجدل حول معنى التركة التي يترتب عليها موت مرسي. البعض يَدَّعي -كأنه نذيرٌ- أن "مرسي سيقترن في الذاكرة مأساوياً بالرسالة التي أوصلها الطغاة العرب بعد فوزه الانتخابي: لن يتم التسامح مع الديمقراطية والحرية". ويبقى آخرون أكثر تفاؤلاً، يتنبأون أن موته المأساوي سيمنحه "مكانة في الموت لم يحققها أبداً وهو حي"، مهما يكن الأمر، فهناك الكثير من الدروس التي نستطيع أن نستخلصها.

يمكن للإسلاميين أن يكونوا ديمقراطيين

خلافاً للاعتقاد الخاطئ الذي ساد في الغرب لعقود من الزمن، هذا الاعتقاد الذي يضع الإسلاميين في سلة واحدة مع الجهاديين بصفتهم تهديداً ل"الحضارة الغربية"، فقد أثبتت اتجاهات "إسلامية" معينة، بما فيها إخوان مصر، أنها قوى مناصرة لدمقرطة بلدانها. في نفس الوقت ساند "علمانيون" أو"تقدميون" معادون للإسلاميين انقلاب تموز 2013 الفاشي، الذي قاده الجنرال السيسي مطيحاً بالرئيس محمد مرسي.

حاولت حركة "تمرد" التي قادت الاحتجاجات في مصر، وبعد اصطفافها مع السيسي في الإطاحة بمرسي، أن تحرض على انقلابٍ ثانٍ في تونس، وهو ما فشلت به لحسن الحظ. مع ذلك تقدم الثقافات الغربية المتوجسة شراً من الآخرين وأطقمها الإعلامية السياسية تفريقاً خاطئاً بين المسلمين الذين تغربوا بوصفها لهم "مأمونين" و"معتدلين"، مقابل "إسلاميين" محافظين وأوغاد. تضم "الإسلامية" في جنباتها حركات شديدة الاختلاف ومتنافرة كلياً -لاهوتياً وسياسياً- بمقدار الاختلاف والتنافر الموجود بين حركة النهضة في تونس وتنظيم الدولة الإسلامية. لقد أظهرت مصر منذ 2011، أن الواقع يمكن أن يكون على العكس تماماً من هذا التقديم الثنائي الفظ، الذي لا توسط فيه.

تركة مرسي

بالرغم من إخفاقات مرسي، فقد كان جزءاً من عملية انتقال ديمقراطي هامة في مصر أفضل بما لا يقاس من النظام الفاشي والشمولي والطغياني والإجرامي والمدعوم غربياً، الذي حل محله. لقد برهن شادي حميد وميرديث ديلر، وهما باحثان مختصان بالإسلام السياسي، بشكل موضوعي في مقالتهم المنشورة عام 2014 في "الأتلانتيك" أن رئاسة مرسي القصيرة التي دامت عاماً واحداً تطابقت مع -وكانت جزءاً من- انتقال ديمقراطي هام لمصر. وباستخدامهما لمؤشر the Polity IV، وهي إحدى الوسائل التجريبية الأوسع استخداماً لقياس مستوى الحكم الفردي والحكم الديمقراطي، أثبت الباحثان أيضاً أنه من ناحية الديمقراطية فإن إدارة مرسي المجهضة كانت أكثر نجاحاً بكثير من أي إدارة وُجدت من قبل، وبالطبع أفضل بما لا يقاس من نظام السيسي الفاشي الذي حل محلها، مع أن هذه الإدارة من ناحية الديمقراطية لم تكن بدون شوائب، خصوصاً إن أخذنا بالاعتبار الظروف الصعبة لمصر في ذلك الوقت.

لحسن الحظ، في كثير من أرجاء العالم يوصف إرث مرسي بحق بأنه ديمقراطيٌ ينطوي على الأمل بالرغم من موته المأساوي، وحالة مرسي ليست معزولة كما يقول البعض، فهناك نماذج أخرى تضم حركة النهضة في تونس بسلوكها المتمدن الجدير بالإعجاب، والعقد الأول من حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان.

 التواطؤ الغربي

لقد كان سلوك مرسي الشخصي جديراً بالإعجاب مع تعاقب السنوات، فمع أنه كان خاضعاً لحبس انفرادي وحشي منذ عام 2013، وكان في محبسه هذا محروماً من الطعام والدواء الكافيين، وسُمح له بثلاث زيارات عائلية فقط، إلا أنه لم يستسلم للكراهية أو الانتقام.

ثابر مرسي على الدوام بتماسك وكرامة لافِتين على خط الإخوان المسلمين في رفض العنف والإرهاب، وكان بدلاً من ذلك يطالب بالاعتدال والمثابرة في السير على الطريق الديمقراطي. كان مثالاً للقيم والروح الإسلامية بصفته وطنياً مصرياً عظيماً، وأيضاً ديمقراطياً حقيقياً، لكن الإعلام الغربي والساسة الغربيين، بالطبع لن يمتدحوه على هذه الخصال بعد أن اصطفوا مع نظام السيسي الفاشي، وهذا ما يفسر صمتهم المطبق المخجل الآن، وربما شعر بعضهم بارتياح سري لرؤية رمز أذهانهم المذنبة وسياساتهم المجرمة يختفي.

يخدم موت مرسي كتذكارٍ أن تحالفهم المخجل مع السيسي يستمر على أجساد آلاف المصريين الأبرياء، وينبغي أيضاً أن يكون تذكاراً أن تلك الحكومات المسماة "علمانية وليبرالية وديمقراطية" قد تواطأت بالكامل في القمع والوحشية وعمليات القتل الجماعية التي يرتكبها نظام السيسي ضد شعبه. رجلهم " البطاش العربي" الجديد يبيد المصريين بالآلاف، ويسجن أي خصم -حقيقي أو متخيل- من الإسلاميين حتى المثليين، والحكومات الغربية طوال الوقت تقدم لنظام السيسي دعماً دبلوماسياً وسياسياً ومالياً وعسكرياً فعالاً، بما في ذلك مبيعات أسلحة تستخدم في سحق الخارجين على النظام.

كشف موت مرسي من جديد أنه عندما يتعلق الأمر بقتل الديمقراطية في هذه المنطقة، فإن الفرنسيين والبريطانيين والألمان والأميركيين وحكومات أخرى هم عبارة عن متعاونين مع الأنظمة الفاشية، من القاهرة إلى الرياض، في حين تقوم أحاديثهم المتواصلة -ولكن الجوفاء- عن "الحرية وحقوق الإنسان" فقط بتسليط الضوء على نفاقهم المنحط.

شرعية متزايدة

لقد عانى الإسلاميون من تراجعات حادة كثيرة، هذه التراجعات التي همشتهم أو أقصتهم سياسياً ودفعت بهم تحت الأرض من جديد، أو نزعت عنهم الشرعية في عيون الكثيرين، بما فيهم متعاطفين سابقين. لكن ارتقاء مرسي إلى منزلة "شهيدٍ"، -أو "بطل" إن كنا نريد تعبيراً مشحوناً بدرجة أقل- بالنسبة إلى مصر والإسلام والديمقراطية العربية يمكن أن يشجع من جديد الحركات الإسلامية، خصوصاً حركة الإخوان المسلمين. لقد زاد مرسي حياً وميتاً من مصداقية ديمقراطية الإخوان، وفي نفس الوقت سلط الضوء على الطبيعة الحقيقية -فاشية، مفرطة في عنفها وطغيانية- لبعض من أشرس أعداء الحركة، وحتى أولئك الذين تظاهروا أنهم "ليبراليون تقدميون" وانتهى حالهم إلى قتل الربيع العربي في مصر.

أبداً لن تسمح الحكومات الغربية ورؤساء دولها بعملية الدمقرطة، إنما سيستمرون بفعل كل شيء ممكن لخنق ما تبقى من رموز الربيع العربي، وقد كان مرسي أحد تلك الرموز.

قد يدعي البعض، كما يفعل في كثير من الأحيان علماء السياسة والدبلوماسيون، أن حكوماتنا ببساطة تنخرط ب"أهون الشرين"، لكن حتى هذا العذر الرخيص لا يصمد أمام التدقيق التاريخي، لأنه في كل مرة كان لدى هذه الحكومات فرصة لمساندة عملية الدمقرطة في الشرق الأوسط قامت إما بمعارضتها أو قتلها، أو في أفضل الأحوال بقيت سلبية ولم تمد يد المساعدة. فانقلاب 1953 البريطاني/الأميركي ضد رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، ذو الشعبية الجارفة والمنتخب ديمقراطياً، وسلبية الغرب أثناء الربيع العربي، والاحتضان السريع للنظام الفاشي في مصر هي من بين أفضل الأمثلة، لكن القائمة طويلة.. لم تحتضن القوى الغربية الديمقراطية في الشرق الأوسط في أي مرحلة من مراحل التاريخ، لأن هذا الأمر إن حصل سينهي قدرة هذه القوى في السيطرة على هذه المنطقة جيوبوليتيكياً وثقافياً واقتصادياً.

ما الذي يحمله المستقبل؟

من هذا التاريخ البائس، نستطيع أن نستنتج أنه إن كان لأمرٍ مثل الربيع العربي أو شكلٍ آخر من الدمقرطة الشعبية الحقيقية أن يضرب جذوره في الشرق الأوسط، فلا بد له أن يحدث ليس فقط دون أية مساعدة من الغرب، وإنما أيضاً ضد رغبات القادة الغربيين. إن بلداناً كفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة مستعدة وراغبة بإرسال كل الأسلحة التي يحتاجها طغاتها المدللون لسحق الثورات الديمقراطية.

كل ما حدث في المنطقة منذ عام 2011، وكل ما نراه يحدث حالياً -سواء عَمَلُ روسيا مع بشار الأسد، أو مساعدة ماكرون لخليفة حفتر في ليبيا أو عمل المحور الأميركي السعودي الإسرائيلي لفرض هيمنة إقليمية- قد عزز من جديد هذا الدرس التاريخي.