داريا ضمن (حزام دمشق الشيعي) خطة شراء ألف عقار بين مقام سكينة والمطار العسكري

زيارة ممثل المرشد الإيراني في سوريا "ابو الفضل الطبطبائي" إلى مقام سُكينة في مدينة داريا بريف دمشق هذا اليوم، برفقة وفد ديني شيعي، والمُوكّل بالمقام المهندس الإيراني "رضا الواحدي"

تشهد مدينة داريا بريف دمشق نشاطاً ملحوظاً يطال سوق العقارات، تقف خلفه إيران التي حرصت منذ إخلاء المدينة صيف العام 2016 على إيجاد موطئ قدم عسكرية لها بالقرب من مقام سكينة، وهو مزار شيعي تم تأسيسه بداية القرن الحالي.

عمليات شراء العقارات تتم من خلال وسطاء من أبناء المدينة لصالح شخصيات إيرانية منحها النظام الجنسية السورية، وبإشراف من بعض الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، وذلك كما يرى البعض، يأتي ضمن خطة لإحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة مهدت لها ظروف الحرب.

الضاحية الجنوبية في دمشق

يقول مصدر مطلع من أبناء داريا لـ"عين المدينة"، إن مدينته تدخل ضمن ما يعرف بـ"الحزام الشيعي" لدمشق، وهو حزام سكني يشغله شيعة موالون للنظام يمتد من منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، مروراً بداريا غربها وصولاً إلى الزبداني في الشمال الغربي. ويعتقد المصدر أن الخطة لتنفيذ مشروع الحزام مبيتة منذ بداية الثورة، وقد تبلور ضمن آلية خلق بؤر حرب أدت إلى تدمير مراكز "التواجد السني"، ثم اتخذ بعد ذلك منحى آخر يتمثل في إيجاد بؤر استيطان للشيعة غير السوريين المجنسين بالجنسية السورية حديثاً.

الحديث عن مشروع الحزام الشيعي لدمشق يعد من الموضوعات الصعبة بسبب شح المعلومات، لكن القرائن المتوفرة يمكن أن تفيد في تحليل النقاط الأساسية للمشروع. تتمثل القرائن في بؤر التدمير الممنهج الذي ركزت عليه الآلة العسكرية للنظام، ثم في آلية الاستثمار المتبعة منذ إجلاء الثوار عن داريا، فغالبية ما تم تدميره من داريا يتركز في خط يمتد من مقام سكينة، حارة النصارى، حي الخليج المتاخم لمطار المزة العسكري.

الحزام سيظهر للعيان -حسب المصدر الذي رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية- بعد إتمام السيطرة على ألف عقار تم اختيارها ضمن نقاط محددة في المدينة، والتي تم شراء بعضها بالفعل في الفترة الماضية، وعند استكمال عملية شراء باقي العقارات سيكون المشروع، كما يتوقع المصدر، استنساخاً للضاحية الجنوبية في بيروت والسيدة زينب بالقرب من دمشق.

ويتوقع المصدر أن النقاط المحددة والتي يتم شراؤها، تبدأ جغرافياً من مقام سكينة وسط المدينة وحتى بساتين المزة، ويشرف على المشروع بشكل مباشر كل من شعبة الأمن السياسي وقيادة الفرقة الرابعة بتوجيه من طهران.

رجال العقارات

وتفيد المعلومات المتوفرة حتى اللحظة، بأنه قد تم شراء أقل من 200 منزل في المنطقة الجغرافية المستهدفة، وقد تورط رئيس بلدية داريا مروان عبيد في إتمام عدد كبير من صفقات الشراء، بينما برز مؤخراً اسم عبد الرحيم زيادة وهو أحد صناعيِّي المدينة.

اختير زيادة لتنفيذ المهمة بدعم مالي إيراني كبير وحماية أمنية عالية، كما يقول البعض من أبناء داريا، ويعتمد في عمله على المكاتب العقارية المتمركزة في المدينة كقاعدة انطلاق.

يمتلك زيادة، الطبيب البيطري أساساً، معملاً للأدوية في داريا، وقضى سنوات اندلاع حرب داريا، بين لبنان، السعودية، مصر، وسوريا؛ ومؤخراً ظهر في صورة حديثة تجمعه مع ضباط في الأمن السياسي والفرقة الرابعة وعنصر مفوض بملف التشيُّع غير معروف محلياً.

ويؤكد مصدر محلي لـ"عين المدينة" الحركة النشطة التي تشهدها مدينته في بيع الشقق السكنية، سواء كانت جاهزة للسكن بعد ترميمها وإكسائها من قبل أصحابها، أو مدمرة ومعفَّشة من قبل جيش النظام. ويضيف بأن هناك سماسرة كثر يعملون على إتمام صفقات بيع العقارات من خلال الترويج لهذه العقارات وعرضها بشكل مستمر على وسائل التواصل الاجتماعي ضمن صفحات وغرف مخصصة لتجارة العقارات.

ما يثير الاستغراب -بحسب المصدر- هو وجود رغبة لمشتري العقارات في حيازتها ضمن منطقة غير مخدمة ومعدومة البنى التحتية، فـ"الأحياء التي يتم بيع العقارات فيها مدمرة بشكل شبه كامل، ومع ذلك تزداد أسعار العقارات ارتفاعاً“.

ربما ليس حزاماً.. لكنه استثمار للحرب

في حين يتحدث مصدر أهلي آخر عن جنسية المشترين، مؤكداً لـ"عين المدينة" أن هناك مشترين شيعة وعلويين يعملون للحصول على العقارات المحاذية لمقام السيدة سكينة مهما بلغت الأكلاف. ويضيف: "وجود الملاكين الشيعة في داريا ليس جديداً، بل تزامن مع إنشاء مقام سكينة، وهو اليوم مؤهل للازدياد على خلفية شراء عقارات المهجرين واللاجئين".

ويرجح مصدر أهلي ثالث أن إيران لا تستهدف شراء عدد كبير من العقارات داخل داريا، وإنما ستكون الخطة امتلاك عدد من الشقق في مبانٍ سكنية تقع ضمن أحياء سكينة والمنطقة القبلية، وربما في المنطقة التنظيمية الجديدة التي تدعى "باسيليا سيتي"، ويعد قسم كبير من داريا جزءاً منها.

وفي تشرين الثاني 2012 قاد النظام السوري عملية عسكرية موسعة للسيطرة على أجزاء من داريا، وحصر الثوار في جيب جنوبي المدينة، وخلال 4 سنوات من المعارك غير المتكافئة استعمل النظام أشد القنابل تدميراً، وهي البراميل المتفجرة، إذ تشير إحصائيات الثوار إلى سقوط قرابة 8 آلاف برميل على المنطقة التي لا تتجاوز مساحتها بضعة كيلومترات.

تم تدمير أحياء كاملة ضمن البقعة المحددة، وبعد السماح بعودة الأهالي إلى داريا عقب إخلائها من الثوار، قسمت أحياء المدينة بهدف تأهيل بعضها بعمليات إصلاح بسيطة، بينما بقيت المنطقة المدمرة تعاني من الإهمال، بل ومن رغبة مشددة من النظام لتطبيق القرار المتعلق بهدم الأبنية المخالفة، ما خلق الظروف الملائمة لحث الملاك الأصليين للعقارات المتهالكة أو المسوَّاة بالأرض على بيعها لمشترين مجهولين.

ورغم أن المصادر لا تقدم معلومات مرفقة بوثائق، غير أنها تعكس وجهة نظر من يقطن المدينة اليوم، حيث يستشعر معظمهم ما تخطط له إيران في المنطقة.