انشقاق في الجسم الرياضي الحر واتهامات متبادلة

بعدسة الكاتب - خاص

تصدّعت صفة المؤسسة الجامعة التي التصقت ب(الهيئة السورية للرياضة والشباب)، بعد أربع سنوات من السعي لبناء مظلة واحدة تضم رياضيي المناطق المحررة ، تحت شعار «حلم رياضي لا يموت»، وأسفر الانشقاق الذي لحق بالهيئة، في أيلول الماضي، عن ظهور (المديرية العامة للرياضة والشباب في محافظة إدلب)، لتشابه المؤسسة الرياضية في المناطق المحررة مثيلاتها من المؤسسات السياسية والعسكرية، التي فشلت في التوحد خلال سنوات الثورة، رغم الظرف والألم والمعاناة والحاجة الماسة والرغبة الشعبية.

تأسست الهيئة العامة للرياضة والشباب، تحت اسم الاتحاد الرياضي السوري الحر 1- 8- 2013، في أحد أحياء مدينة حلب بحضور 40 شخصية رياضية وإعلامية، وبدأ الترويج للاتحاد، والاتصال بجميع اللاعبين داخل سوريا وخارجها، لتسفر عن تشكيل الهيئة العامة، وبعد الاجتماعات التي عقدت في مدينة أورفه التركية في العام 2014، اندمج كل من الاتحاد الرياضي للشمال في حلب والاتحاد الرياضي في المنطقة الشرقية (الرقة- دير الزور- الحسكة) في جسم واحد.

شكلت الهيئة اللجان التنفيذية التي شملت معظم المناطق المحررة (درعا- الغوطة- حمص- حلب – ريف حماه- إدلب)، كل فرع يضم تسعة أعضاء، كما شكلت الهيئة 12 اتحاداً في مختلف الألعاب الرياضية، وبلغ عدد المنتسبين إلى الهيئة 42000 عضو، موزعين على 145 نادياً، شملت السوريين في داخل البلاد وخارجها، بالإضافة إلى 2000 إداري بين مدرب وإداري وأعضاء أندية واتحادات ومكاتب تنفيذية ولجان فنية. كما للهيئة تسعة مكاتب تنفيذية بالإضافة لأربع مكاتب إدارية يتم انتخابها من القاعدة وحتى القمة.

دخلت الهيئة ضمن المؤسسات التابعة للحكومة السورية المؤقتة بتاريخ 5 - 5- 2017 لتأخذ اسم (الهيئة السورية للرياضة والشباب)، وتولت الحكومة الإشراف المالي والإداري عليها، دون تقديم الدعم المالي الذي تحصل عليه الهيئة من بعض المنظمات والمانحين، ك «مؤسسة عبد القادر السنكري للأعمال الإنسانية - منظمة بيتنا سوريا - البرنامج السوري الإقليمي - جمعية فسحة أمل»، بالإضافة لمجموعة من المنح كانت عبر السنوات السابقة لمرة أو مرتين من «ذاعة نسائم سوريا - راديو ألوان - منظمة اليوم التالي - مجموعة مبادر - مجلة حنطة»، على حد قول عروة قنواتي الناطق الرسمي باسم الهيئة السورية للرياضة والشباب.

الانشقاق

يصعب استيعاب أسباب الخلاف، الذي أدى إلى انفصال المؤسسة الرياضية التي كانت تغطي جميع المناطق المحررة. اذ يتبادل الطرفان الاتهامات والبيانات، ويلقي كل منهما اللوم على الطرف الآخر، متجاهلين الأثر السيء الذي تركه الانقسام.

يقول محمد ظلال معلم، رئيس الهيئة السورية للرياضة والشباب «إن تشكيل المديرية العامة للرياضة والشباب في محافظة إدلب تزامن مع تشكيل حكومة الإنقاذ، وبطلب من هيئة تحرير الشام، الفصيل العسكري المسيطر على المنطقة»، وعلى الرغم من شقهم للصف، فما زال هناك الكثير من الرياضيين في إدلب يتبعون الهيئة السورية، ويرفضون التبعية للجسم العسكري، على الرغم من السلطة والإغراءات المادية التي عرضت لهم من قبل هيئة تحرير الشام، حسب ما يقول المعلم، الذي يشير للدور السياسي الهام الذي يمكن للرياضة أن تلعبه، ف«نظام الأسد فشل في تعويم نفسه سياسياً وعسكرياً، واستطاع توحيد السوريين من خلال مباراة لكرة القدم، استطاعت أن تشق صفوف الثوار أنفسهم، بين مؤيد للمنتخب ورافض له»

ويعبر ميسر محمود، أمين سر الهيئة، عن رفضها التعامل مع الإدارة المدنية الواقعة تحت وصاية عسكرية، واصفاً ما حدث «بالمرض الذي أصاب مؤسسة جديدة من مؤسسات الثورة»، موضحاً أن الهيئة ستقف على مسافة واحدة من جميع الرياضيين، ومتمنياً «أن لا تمارس المديرية العامة الضغط على اللاعبين الذين ما زالوا يتبعون للهيئة» خاصة بعد قيام هيئة تحرير الشام بسحب المنشآت الرياضية من إدارة الهيئة وتسليمها للمديرية، وممارسة الضغط على اللاعبين، وتحذيرهم من البقاء في صفوف الهيئة ، بحسب بيان صادر عن الهيئة، قالت فيه إن هيئة تحرير الشام قد استولت على منشآت إدلب الرياضية.

من جهته قال علاء مروح، نائب رئيس مكتب الألعاب الجماعية في المديرية العامة للرياضة والشباب، إن أسباب الانشقاق كانت «كثيرة وتراكمية، من تصرفات إفرادية واختراقات إدارية ومالية، وتدخل إحدى المؤسسات الداعمة بالقرارات والتشكيلات وتعيين المدربين والإداريين» الأمر الذي تحول إلى هيمنة على القرار في الهيئة السورية، ما أدى إلى استقالة عدد من القامات الرياضية، كعلي إبراهيم بطل العالم في الجودو، وعلي بارودي صاحب أول ذهبية للرياضيين الأحرار في اليونان، وقبلهم الكابتن وليد مهيدي حسب ما يقول مروح.

لم يعرض النظام الداخلي للهيئة على اللاعبين، ويستعمل ك(مطاطة) تكرس حالة الاستفراد بالرأي والديكتاتورية والتدخل في شؤون اللجان الفنية والمدربين، حسب ما يشرح مروح أسلوب العمل في الهيئة، ويضرب مثالاً عن ذلك بتدخل رئيس الهيئة في دوري كرة القدم لصالح «نادي الأتارب المعاقب بالهبوط إلى الدرجة الثالثة، لإشراكه 4 لابعين مزورين» ثم إعادة الدوري، وحل أندية والتوسط لأندية أخرى محسوبة على مقربين من الهيئة.

ينفي مروح أن تكون مديريته تابعة لهيئة تحرير الشام، أو غيرها من الفصائل العسكرية، أو أنها تلقت أموالاً منها، فالمديرية «بلا تمويل الآن، وكل ما أخذناه كان 7 آلاف دولار قدمتها الإدارة المدنية، لتغطي تكاليف العمل ورواتب الموظفين» ويؤكد أنها تتبع حكومة الإنقاذ فقط، واعتبر تشكيل المديرية «إعادة للقرار الرياضي إلى الداخل، بعد أن استأثر مسؤولي الخارج بالقرار، وحولوا الرياضيين إلى عبيد» ويؤكد أن المنشآت الرياضية في إدلب سلمت للمديرية من الحكومة المدنية، قاصداً حكومة الإنقاذ. وتسلمت المديرية من هيئة تحرير الشام «الملعب البلدي المعشب طبيعياً، وهو أصلاً لم يكن تابعاً للهيئة» ويبدي مروح تفاؤلاََ بمستقبل مؤسسته الرياضية التي تضم اليوم حسب قوله 18 نادياً في الدرجة الأولى و 8 في الثانية، إضافة إلى أندية الدرجة الثالثة كلها في إدلب، وتضم أيضاً 21 نادياً في محافظة حلب. وكذّب مروح اتهامات طالت المديرية بتلقي أموال من تحرير الشام.

من المفترض  حسب ما يقول عبد الوهاب الحجازي، وهو رئيس الهيئة الفرعية للرياضة والشباب في حلب، أن يكون الرياضيون مع المؤسسة لا مع الأشخاص، فليس مبرراً «أن نهدم مؤسسة عمرها 4 سنوات وتخريبها بحجج واهية، ونعود إلى نقطة الصفر من جديد، فهذا الانشقاق لا يخدم الرياضة والرياضيين» خاصة أن الانشقاقات والاستقالات تمت «أثناء وضع اللمسات الأخيرة للتحضير لانطلاق الدوري التصنيفي لحلب بمشاركة 40 نادياً، ما أدى لتأجيله، بعد أن منعنا من استعمال ملعب سراقب من قبل المديرية العامة للرياضة والشباب»، ففي ظل الواقع الصعب الذي يعيشه الرياضيون لم يكن هناك «ما نفخر به سوى أننا كنا تحت مظلة واحدة» وفق الحجازي، الذي يؤكد فشل المبادرات والمحاولات المبذولة لرأب الصدع وتقريب وجهات نظر الطرفين المتخاصمين، ويرى الحجازي أن «الأمر قد حسم ولا مجال للعودة والتراجع».

أحد الأعضاء الذين استقالوا من الهيئة السورية، ورفضوا الانضمام إلى المديرية العامة –طلب إغفال اسمه- حمّل الطرفين مسؤولية ما حدث، فالمديرية العامة كانت تستطيع الإعلان عن جسم جديد في الداخل، يتم انتخابه من قبل الأندية ويستقطب الرياضيين، لا أن يتم تعيين المنشقين عن اللجان الفرعية  للهيئة السورية دون انتخاب، مع العلم «أنهم كانوا يعيبون على الهيئة أنها تتحكم في القرارات، ولا تلتزم بتصويت الأعضاء في الداخل»، كما عاب على الهيئة استئثارها السابق بالمنشآت الرياضية في محافظة إدلب، ومنع اللاعبين الذين لا ينتسبون إليها من استخدام هذه المنشآت «هذا حكر للرياضة وهذه المؤسسات ملك لكل رياضي» حسب ما قال الرياضي المستقيل الذي لا يحمل المديرية وحدها المسؤولية فيما حدث، ف«أخطاء الهيئة كثيرة، وفسادها الإداري كبير، إضافة لإهمالها الرياضيين في الداخل، والذين يحققون الشرعية لأي مؤسسة» وغير ذلك من المآخذ التي يأخذها على الهيئة، مثل إهمال الألعاب الجماعية، وتحميل الأندية نفقات الدوري من استئجار الملاعب ومكافآت الحكام وتكاليف النقل، رغم معرفة الهيئة ب«فقر اللاعبين وأحوالهم البائسة. ولهذا يجب على الهيئة أن تستقيل» وفق مطالبة الرياضي الذي يتمنى أن تولد مؤسسة حرة تجمع جميع الرياضيين تحت مظلتها.