القطن... من محصولٍ إستراتيجيٍّ إلى محصولٍ مهدّدٍ بالتلاشي

من مواسم القطن السابقة ، لمزيد من الصور انظر الغلاف الخلفي

تعرّضت المحاصيل الإستراتيجية لأضرارٍ كبيرةٍ بعد الثورة، ولعلّ القطن من أبرز المحاصيل المتضرّرة.

أسبابٌ عديدةٌ أسهمت في تراجع هذا المحصول بشكلٍ كبير، بعد أن كانت سورية تتميز به عالمياً. يقول فادي هلال، وهو مهندسٌ زراعيٌّ من محافظة دير الزور: تراجعت، في السنوات الثلاث الأخيرة، إنتاجية القطن كماً وكيفاً؛ فمن جانب المساحات حدث تناقصٌ مستمرٌّ في الأراضي المزروعة، إذ كان من المفترض في عام 2013 أن يزرع في دير الزور، وبحسب الخطة المقرّرة لوزارة زراعة النظام، ووفقاً لأرقامها حول الموسم القادم؛ نحو 30 ألفاً و891 هكتاراً، لم يزرع منها عملياً سوى ما يقارب نصف هذا الرقم، رغم وجود سعرٍ تشجيعيٍّ يُدفع للفلاح من قبل محالج النظام التي تشتري الأقطان (لما يسمّى القطن الجيد)، وبلغ هذا السعر 51 ليرةً سوريةً في عام 2012، ليصل إلى 100 ليرةٍ للكيلو غرام الواحد في عام 2013.
وبحسب ما يدّعي الدكتور مجد أيوب، مدير الاقتصاد الزراعيّ في وزارة زراعة النظام، في أحد تصريحاته المنشورة على موقع الوزارة، فإن النظام يقدّم للفلاح ربحاً يقارب ثلاثاً وعشرين ليرةً لكل كيلو غرام، وذلك لأن تكلفة إنتاج كيلو القطن تبلغ 77 ليرة، بينما يشتريه النظام بسعرٍ قدره 100 ليرة.
ورغم هذه المغريات التي يتبجّح موظفو وزارة الزراعة بتقديمها للفلاح، إلا أن واقع هذه الزراعة على الأرض سيءٌ جداً؛ فهناك غلاءٌ شديدٌ في قيمة الأسمدة، والبذار، وكذلك المحروقات، عدا عن الصعوبات في عمليات نقل المحصول عند تسويقه وتوصيله للمحالج، بل قد يستحيل ذلك في بعض الأحيان بسبب الأوضاع المضطربة وغير المستقرّة على الطرقات، فيعجز بعض المزارعين عن تسويق أقطانهم خوفاً من الاعتقال التعسفيّ من قبل قوات النظام. وهذا ما يدفع معظم المزارعين إلى الوقوع تحت رحمة التجار والسماسرة الذين يعرضون أسعاراً غير عادلةٍ ولا تعوّض خسارة الفلاح وتعبه.
وهناك مشكلةٌ أخرى في زراعة القطن بدير الزور هي التلوّث النفطيّ وسُحب الدخان الأسود الناتجة عن الحرّاقات أو مصافي النفط الخام، والتي أثرت على جودة الإنتاج بشكلٍ كبير، حتى أن الكثير من مزارعي المناطق التي تكثر فيها الحرّاقات لم يتشجع على زراعة القطن. وإذا أردنا ان نقدّر تراجع الأراضي الزراعية في المنطقة الشرقية فإنه يتجاوز الـ 70% من إجماليّ الأراضي المزروعة بالقطن في سنوات ما قبل الثورة، رغم عدم وجود إحصائياتٍ دقيقةٍ بسب غياب العمل المؤسّساتيّ على الأرض.
ويضيف هلال: كما يجب أخذ بعين الاعتبار غلاء الأدوية والمبيدات الزراعية، وندرتها في بعض الأحيان، الأمر الذي يجعل الجوّ مناسباً لانتشار الإصابات الحشرية والميكروبية في محصول القطن. كما لوحظ تقزّمٌ في حجم الثمرة ربما يكون سببه التلوّث، وربما هناك أسبابٌ مرضيةٌ أخرى لم تُجر الدراسة البحثية الكافية لتشخيصها ومكافحتها.
بعد تحرير ريف محافظة دير الزور قبل عامين من الآن، وبعد نشوء واقعٍ زراعيٍّ واقتصاديٍّ جديدٍ، ظهرت الحاجة إلى بناء مؤسساتٍ بديلةٍ واقتراح حلولٍ فعالةٍ وسريعةٍ للمشاكل المستجدّة. لكن هذا لم يتحقق، وتُرك فلاحو دير الزور يواجهون مشاكلهم بأنفسهم دون مساعدةٍ من أحد، وخاصةً من شخصيات ومؤسسات المعارضة السورية الناشئة. ليؤدّي كلّ هذا الى تراجع هذا المحصول الاقتصاديّ الهام، في نواحي الإنتاجية والجودة والأرباح. ولم يطرأ، وخلال موسمين بعد التحرير، أيّ تحسنٍ على واقع هذه الزراعة إلا في بعض المحاولات الفردية التي تحاول تقديم بعض الحلول لمشكلات الانتاج، مثل قيام أحد السكان في قرية حطلة - شمال دير الزور - بإنشاء محلجة أقطانٍ بطاقةٍ انتاجيةٍ صغيرة، غير أنها قدّمت خدماتٍ كبيرةً لفلاحي المنطقة (أعدّت "عين المدينة" تقريراً عن هذه المحلجة في عددٍ سابق). ويُنتظر الآن من السلطات المحلية في المناطق المحرّرة القيام بخطواتٍ جادّةٍ استعداداً لموسم القطن الجديد، وعدم ترك فلاحي دير الزور مرةً ثالثةً في حالٍ من التخبط والضياع.