الثورة والثوار في أورفا

اعتصام في أورفا تنديداً بجرائم النظام في دوما عام 2015

يبدو عموم اللاجئين السوريين في ولاية أورفا التركية غير مكترثين كثيراً لدخول الثورة عامها السابع، رغم أن فاعلين فيها ما زالوا مصرين على العمل لإسقاط النظام، كهدف يتفقون عليه، ويختلفون على باقي الأمور التي تسبق ذلك، أو ترافقه، أو تأتي بعده.

يتدفق السوريون في شوارع أورفا وحواريها ومحلاتها وورشها ومعاملها، دون صعوبات كبيرة سوى الحنين إلى بلدهم، رغم أن القرب الجغرافي منه يخفف من ذلك الشعور الذي يعيش تحت وطأته آخرون تابعوا باتجاه الشمال والغرب. عدا عن أن التركيبة الاجتماعية لسكان الولاية مشابهة لتركيبتهم، واللغة العربية -أو بقاياها- التي يجيدها الأورفلية، التي اضطرهم السوريون إلى نبشها من الماضي لتيسير التعامل معهم. ولأن للمجال العام في تركيا هيبته الخاصة فقد اقتطع السوريون على هامشه مجالاً لفضاءاتهم العامة، تمثل في المقاهي والكافيتريات والفنادق الشبابية والبيوت شبه المخصصة لاجتماعات الأقارب وصالات المنظمات والهيئات...

يعبّر المهتمون بالشأن العام في هذه الأماكن عن انتمائهم إلى الثورة باستعادة ذكرياتها ولحظاتها العصيبة والتغني بحوادثها والحنين إلى ما يرونه صفاء الثوار الأول، في زمن التظاهر السلمي والملاحقات الأمنية التي يستذكرون الآن الجوانب المضحكة منها، وحصار مدينة دير الزور، أو السيطرة على الرقة وإدارتها ذاتياً، أو مغامرات الفصائل المتفرقة في الحسكة. وتجمع المهتمين محاولاتهم وضع اليد على الخلل الذي أتى بهم إلى هنا، وبحثهم المستمر عن طريقة لجمع صفوفهم استعداداً لملء الفراغ الذي سيتركه الانهيار الوشيك لتنظيم الدولة الإسلامية. على أن ذلك البحث عادة ما ينتهي بعمل إنساني أو إغاثي، يتراوح بين توزيع المساعدات والتوثيق وتعليم المهن واللغة التركية لفئات لم تكن مستهدفة من قبل، كما يفترض القائمون على تلك الأعمال، (أو أنها كانت تشعر بالغبن لأنها خارج دائرة الفعل الثوري؟). وتجد تلك الأعمال قيمتها، عند الأكثر خبرة في العمل السياسي، من نتائجها المرجوة في استعادة الحاضنة الشعبية، وتجسيد أهداف الثورة بالعمل المؤسساتي، وإبقاء الأهالي على صلة بالشأن العام، والتجهيز للعودة إلى سوريا.

تعمل في أورفا رسمياً، كما تقول إحصاءات، 60 منظمة ومدرسة ومركزاً طبياً خاصاً بالسوريين، لكن حديث الشارع يصل بالعدد إلى 100 منظمة، وتشمل التسمية كل كيان مدني أو أهلي يعمل في الشأن العام. وتتلقى هذه المنظمات بشكل دائم تهماً بالفساد المالي والأخلاقي والمحسوبية والعمالة لقوى إقليمية ودولية والتشبيح لشخصيات معينة، ولذلك تروج بين الفئات الثورية مصطلحات، كالسلبية والتشويش وموالاة النظام سراً، في سياق الرد على تلك التهم، أو حتى الاستئثار بالثورة كأرضية للفعل يقف عليها الكثيرون.

لا يرى قسم كبير من الأهالي في عمل الثوار خارج أراضيهم أي فعل ثوري، إذ إن الثورة في الداخل، واستعادة الأرض هدف أساسي لها، كما يعتقدون. أما العمل الإنساني والإغاثي فهو منفصل عن الثورة، بدليل أنه موجود في مناطق النظام كذلك. ويشكل العالم الافتراضي، متمثلاً في الفيسبوك، ساحةً مفتوحةً للحديث عن تلك الأشياء، بعد أن أصبح وجداناً عاماً يتقاسم فيه الجميع التعاطف، ولكن كذلك الاقتتال والاستعداء، وحيث تستعمل الحسابات الوهمية للنيل من بعض الشخصيات والكيانات. وبسبب العلاقات الاجتماعية المتشابكة للسوريين، التي حافظت على نفسها في أورفا، تتوصل الشخصيات العامة عادة، أو المقربون منها، إلى معرفة أصحاب الحسابات الوهمية، ما أدى إلى مشاجرات استعملت فيها أسلحة بيضاء ونارية. حتى أن بعض العاملين في المجال الإعلامي يبدي استعداده لتناول أي جهة بالنقد شرط أن تكون بعيدةً عن أورفا، التي تكوّن فيها مع الزمن قانون غير مرئي في ما يخص عمل الثوار، يتلخص في إمكانية إطلاق التهم، مهما كانت فداحتها، لكن دون توجيهها إلى أحد بعينه.

تجاوز عدد السوريين في أورفا 400 ألف شخص، بحسب ما أعلنت مديرية الهجرة التابعة لوزارة الخارجية التركية، يشكل أبناء المنطقة الشرقية في سوريا غالبيتهم. بينما يقدر عاملون في الشأن العام العدد بـ600 ألف، في ظل وجود الكثيرين خارج إحصاءات المديرية لعدم حصولهم على الكيملك. ورغم تبرم مستمر يبديه سوريون مما يرونه «غباء» أو «استغلالاً» تركياً، أو تدخلاً في الشؤون الداخلية الخاصة ببلدهم، إلا أن الولاية لم تسجل أحداث صدام كبيرة بين السوريين والأتراك، حتى الآن، رغم أنها تحوي العدد الأكبر من السوريين بين الولايات التركية.