التأقلم السلبي في دمشق .. بيع الممتلكات والسرقة لتأمين لقمة العيش

تعبيرية من الإنترنت

يواجه سكان دمشق مصاعب الحياة المعيشية الناجمة عن التضخم وضعف الدخل بآليات تأقلم سلبية لا تنهي المشكلات المعيشية لكنها تكفل لمعظمهم الحصول على أدنى مستوياتها. وفيما تشمل الآليات التي يتبعها بعض السكان بيع العقارات وما تبقى من مدخرات ذهبية، يلجأ آخرون إلى وسائل أكثر سلبية تتمثل في التقشف كنتيجة حتمية لتدني مستوى الدخل.

 وأدت ظروف الحرب وما أفرزته من تصاعد خطير في مؤشرات التضخم الاقتصادي الذي لا يتناسب مع حجم دخل الفرد إلى عدم اعتماد معظم سكان دمشق على الدخل الناجم عن الوظيفة الحكومية وسوق العمل بقدراته التشغيلية المتواضعة.

 على الحديدة

نتيجة لارتفاع أسعار المحروقات، يقول أبو محمد وهو سائق تاكسي من دمشق أنه خسر عمله "لأن أزمة البنزين أصابت مهنة السياقة العمومية بالشلل". ولأن الرجل يمتلك عقارات وأراض بالقرب من دمشق فقد وجد أن الحل المناسب الذي يكفل له حياة معيشية مقبولة، هو بيع قسم منها على الرغم من أن "أسعار العقارات في النازل، لكن الغريق يتعلق بقشة" بحسب ما يردد أبو محمد.

يمكن ملاحظة أن الآلية التي استعملها أبو محمد لا تقتصر على بضعة أفراد كما كان الوضع قبل الحرب، إذ على الرغم من وجود نوع من الهوس لدى ملاك الأراضي في الحفاظ عليها وعدم التفريط بها مهما كلف الأمر، إلا أن الظروف المعيشية المتردية التي تعيشها دمشق، لاسيما منذ العام 2020 بعد أن وصل مستوى التضخم إلى مستويات كارثية، أجبرت مئات الملاك على بيع أراضيهم بغية اعتماد قيمتها كمصدر دخل أساسي قد يكفي سنوات عديدة.

هذه الظاهرة يمكن التأكد منها من متابعة ما يعرض من عقارات وأراض على مواقع التواصل الاجتماعي التي تظهر كثافة في العرض مع ندرة في الطلب، ما يجعل أسعار العقارات هابطة إذا تم احتسابها بالدولار، وقياسها على القوة الشرائية للعملة المحلية.

 يرى د.كرم شعار مدير الأبحاث في مركز السياسات وبحوث العمليات خلال حديث لعين المدينة أن عمليات بيع الممتلكات والمدخرات من الذهب نتيجة العوز الشديد والحاجة للمال موجودة بكثرة بسبب الحرب، لكن مع التأكيد على أن بيع العقارات بشكل خاص ينجم عنه تضرر مادي كبير للبائع نظراً لأن أسعار العقارات انخفضت في سوريا بشكل كبير بخلاف التغطيات الصحفية التي تلمح إلى حدوث ارتفاع في سوق العقارات.

يتابع شعار أننا "إذا حسبنا سعر العقار وفقاً للدولار فسيكون منخفضاً جداً، لذلك فالزيادة التي يتحدث عنها الإعلام هي زيادة تضخمية وليست حقيقية".

 يعزو شعار زيادة العرض على العقارات إلى حالة الإحباط التي تصاب بها أسر كثيرة داخل العاصمة، ما يقودها  إلى بيع ممتلكاتها ومن ثم مغادرة البلاد.

 آخر الطب الكي

كما هي النظرة المحلية للأرض والحفاظ عليها يعتبر السكان أن المدخرات من المعادن الثمينة كالذهب والفضة، هي الوسيلة الأخيرة للبقاء على قيد الحياة.

وبالفعل استهلكت الظروف المعيشية الصعبة معظم مدخرات السكان، إذ لجأ كثيرون إلى بيع مدخراتهم بشكل تدريجي لتأمين لوازم المعيشة.

وعلى الرغم من تصريحات مسؤولي النظام السوري حول زيادة الطلب على الذهب خلال العام 2021، إلا أن هذا الطلب لا يشمل جميع الطبقات والفئات المجتمعية التي يغيب الادخار عن معظمها، نظراً لعدم قدرة مداخيلهم على تلبية الاحتياجات الأساسية فضلاً عن شراء الذهب وادخاره.

 سعيد أحد المقيمين في دمشق، يشير لعين المدينة إلى أن مخزون الذهب الخاص به قارب على النفاد بعد استهلاكه على مدار 3 سنوات اضطر خلالها إلى بيعه بالقطعة. "كل شهرين أو ثلاثة أبيع خاتماً أو قطعة حلق أو ليرة ذهبية.. ادخرت هذا الذهب من عملي في تجارة السجاد وخسرت متجري بريف دمشق نتيجة المعارك السابقة".

مدخرات سعيد جيدة بحيث تمكن بها من تأمين اللوازم المعيشية، لكنه لم يستطع استعمالها في العودة إلى سوق العمل ليخرج بذلك من التكيف السلبي إلى الإيجابي. يقول "المبلغ لا يكفي لافتتاح مشروع تجاري.. السوق جامد جداً أيضاً ولا يغري بالعمل".

 جرائم برائحة الخبز

لا تتوفر إحصائيات بإمكانها الإفصاح عن عدد السكان الذين يلجؤون إلى آليات التأقلم المعيش السلبي سواء في الحصول على دخل، أو في عملية الإنفاق على اللوازم الضرورية. وتركز الأبحاث المتاحة على قياس ثلاث فئات من الدخل، وهي أجور العمل وحوالات المغتربين والمساعدات العينية والنقدية التي تقدمها المنظمات الإنسانية.

 ولعل أخطر آليات التأقلم المعيشي هي اندفاع بعض السكان نحو السرقات والتي قد تبدأ بهدف تأمين لقمة العيش لتنتهي إلى مراحل متطورة تصل إلى القتل للحصول على المال.

 يلاحظ كرم شعار أن غياب الدخل المعقول يفسر ظاهرة التوجه نحو الجريمة التي نشهدها في دمشق وذلك "لأن الحصول على مدخول وفقاً للأساليب المشروعة لم يعد مجدياً لبعض السكان".

 ويؤكد من تحدثنا معهم من سكان دمشق وجود أنواع جديدة من السرقات تطال غالبا الممتلكات العامة وبعض الممتلكات الخاصة مثل سرقة الأكبال النحاسية المثبتة على أعمدة الكهرباء، بينما تكون مدخرات السيارات أحد أهم الأهداف التي تطالها عمليات السرقة الليلية هذه. إلى ذلك يتوجه السارقون إلى اقتناص المؤونة من المنازل السكنية ما يؤكد فرضية كون معظم هذه السرقات ناجمة عن العوز الشديد وقلة ذات اليد. 

 إضافة لما سبق ظهرت وسائل عديدة يمكن تصنيفها ضمن إطار الاتجار غير المشروع مثل بيع الخبز والمحروقات في السوق السوداء. وهنا يشير السكان الذين تحدثنا معهم إلى وجود حالة من استثمار الفرص المتاحة للسائقين الذين يحصلون على مخصصات يومية من الديزل أو البنزين، إذ يفضلون بيعها في السوق السوداء كبديل أكثر ربحاً من إفراغها في خزان السيارة أو السرفيس والعمل على خطوط النقل العمومي.