‏‫طرطوس.. الصدارة في التلوث والإهمال والأورام الخبيثة‬

في كل عام تحتل محافظة طرطوس الصدارة على مستوى سوريا بعدد المصابين بمرض السرطان، وتكرر مديرية الصحة فيها إصدار الأرقام المفاجئة، وتصدر سنوياً تعقيباً متعلقاً بالأسباب التي كثيراً ما تكون غير مفهومة.

أحد تعقيبات الصحة الملغزة في طرطوس قولها مثلاً "سبب ارتفاع المعدل في منطقة طرطوس يعود لأن أغلب المرضى مجهولي مكان الإقامة، ويتم تسجيلهم في طرطوس!"، بالإضافة إلى دعوتها للقيام بمسح بيئي لمعرفة الأسباب الكامنة وراء تفاقم الإصابات بالأورام وارتفاع المعدل سنوياً فيها. "في كل يوم يتم تسجيل إصابات جديدة، ومع تزايد الأعداد تتردى العناية الطبية، وتقل أسرَّة المشافي العامة، ويصعب الحصول على الدواء" يقول مروان البانياسي الذي راجع "مشفى الباسل" في طرطوس عدة مرات مصطحباً عمَّه المصاب بورم خبيث.

الأرقام التي كانت تسجَّل في مشافي طرطوس وعبر مديرية الصحة فيها منذ عام 2010 وحتى 2016 كانت تزيد عن 1200 مصاب سنوياً، فيما بدأت الإصابات خلال العامين الأخيرين لا تتجاوز الـ 300 حالة، وهو ما لا يحمل دلالة نهائياً على انخفاض أعداد المصابين فجأة، وإنما هو نتيجة توجه المصابين إلى محافظات أخرى للمعالجة، بعد التردي الكبير الذي شهده قطاع العلاج من السرطان في طرطوس، وأكبر دليل على ذلك تضاعف أعداد المرضى في محافظات أخرى كاللاذقية ودمشق جراء استقبالهم للإصابات القادمة من طرطوس.

في طرطوس حتى اليوم لا يوجد مركز علاج بالأشعة، وأغلب المشافي تعتذر عن إعطاء المرضى أدويتهم وتطلب توجههم إلى المشافي الخاصة أو المحافظات الأخرى، فيما يحتل خبر مشاريع توسعة "مشفى الباسل" وإيجاد مراكز عامة لعلاج السرطان في طرطوس أماكن شبه يومية من الصحف المحلية، وهي ما اعتاد عليه القطاع العام في سوريا عند ورود شكاوى: أي ربط الحل بعجلة التطوير، والطلب من الجمهور الانتظار فقط.

"من الغريب أن تحتل طرطوس حتى اليوم الصدارة في الإصابات السرطانية في سوريا، على الرغم من أنها المحافظة الناجية إلى حد ما من الأعمال الحربية، واستخدام الأسلحة المختلفة التي أسهمت بقوة في ازدياد الإصابات في محافظات أخرى كريف دمشق ودير الزور وإدلب وحلب" يقول أحد فنيي الأشعة الذي عمل في مركز لعلاج الأورام السرطانية في اللاذقية، ويضيف "كان الحديث الدائر بشكل شبه يومي في المركز الذي كنت أعمل به هو أسباب ارتفاع أعداد المصابين في الساحل السوري بهذا المرض وخاصة طرطوس، إلا أن ذوي الخبرة والمعرفة بحال المحافظة من أطباء ومختصين كانوا دائمأً يشيرون إلى دور مرفأ طرطوس ومخلفات السفن النفطية وزيوت التشحيم من جهة، ومصفاة بانياس من جهة أخرى ومخلفاتها من مواد كيماوية أدت إلى أثر تراكمي على البيئة وعلى البحر وكائناته".

يقول عمار يوسف من سكان ريف طرطوس "يعرف جميع سكان طرطوس أن الهواء ملوث بشكل كبير في محافظتهم، وبإمكانك تنشق هذا التلوث بمجرد هبوب رياح غربية نحو ريف الساحل والمنطقة الجبلية، فعادةً ما تكون تلك الرياح محملة بالتلوث القادم من المصفاة وغيرها، لا تسبب السرطانات فقط، بل إن غالبية الإنتانات الرئوية والإصابات الجلدية في طرطوس هي بسبب بيئتها التي لا تلقى مجرد انتباه من السلطات".

تمتلئ مشافي طرطوس بمصابين بمختلف أنواع الأمراض والإصابات، ويظهر مشهد طوابير المرضى الذي تشهده "مشفى الباسل" تجلياً مختلفاً من تجليات المأساة السورية بشكل عام، هنا يقف فاقدو أطراف خرجوا من المعارك ينتظرون أدويتهم وأطرافهم الاصطناعية، وهناك يقف مرضى الأورام ليحصلوا على أوراق إحالتهم إلى مستشفيات ومراكز أخرى؛ في محافظة سميت في فترة من الفترات خزان الجيش السوري، لونها اليوم أسود قاتم وحلم سكانها مركز صحي مخدّم واسطوانة غاز.