موسم جفاف آخر يستنزف المياه الجوفية في الرقة

"غرازة" أو ما يعرف بـ "دقاقة" تحفر بئر ارتوازي في الرقة (نورث برس)

ينخفض باستمرار منسوب المياه الجوفية في محافظة الرقة، التي زاد الاعتماد عليها منذ انخفاض مستوى نهر الفرات وتوالي مواسم الجفاف التي ضربت المنطقة في الآونة الاخيرة، ما يهدد بمزيد من الأضرار التي لحقت بالعمل الزراعي والثروة الحيوانية.

يمتد ريف الرقة الخاضع لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بمحاذاة نهر الفرات ورافده البليخ، بينما تغطي البادية السورية غالبية المناطق خارج الشريط النهري في المنطقتين، ويعتمد غالبية سكان البادية السورية وريف الرقة على المياه الجوفية من خلال حفر الآبار الارتوازية، التي تحفر بعيداً عن سرير النهر وتجمع مياه الأمطار لتأمين مياه الشرب وري الماشية والمحاصيل الزراعية، كون الآبار هي المصدر الأساسي لتوفير المياه في المنطقة.

زاد الاعتماد على المياه الجوفية في الرقة بعد انخفاض منسوب مياه نهر الفرات، وتسببها بخروج مضخات مياه الشرب والري المثبتة على ضفاف النهر عن الخدمة، ويبلغ عددها في المنطقة الخاضعة لقسد ما يقارب 600 مضخة في منطقة تمتد من البوعاصي حتى مدينة الرقة بطول 70 كم، ومن مدينة الرقة حتى قرية السبخة بطول 50 كم تقريباً.

على أن النقص وشح المياه يهدد هذه الآبار كذلك، ومنها ما أصبحت بالفعل شبه جافة أو خرجت عن الخدمة نهائياً، ما استدعى العديد من الأهالي حفر آبار جديدة تؤمن لهم المياه، حتى وصل عددها في بادية ريفي الرقة الغربي والجنوبي لوحدهما في العام 2021 إلى قرابة 1980 بئراً تنتشر في قرى مثل الكرين وعايد والمنصورة والحمام والجرنية، حسب معلومات حصلت عليها عين المدينة من أحد المسؤولين عن الزراعة في مناطق قسد طلب عدم ذكر اسمه وصفته الوظيفية.

المحاصيل الزراعية

يوضح مصدر عين المدينة أن زراعة الأشجار المثمرة تمتد على أكثر من 88000 دونم من الأراضي الزراعة في بادية الرقة الغربي (البوعاصي، الصفصاف، الكرين، أبو قبع، الطبقة، عايد، جعبر، الجرنية)، ويصل عددها إلى مليونين ومئتي ألف شجرة تتوزع بين أشجار الزيتون بمساحة 75000 دونم، ودوالي العنب بمساحة 1500 دونم، وأشجار فواكه متنوعة بمساحة 2500 دونم، ويشير إلى أن معظمها يعتمد في الري على مياه الآبار، وقد تضرر قسم منها بسبب شح وقلة مياه الآبار وقلة غزارة تدفقها.

أبو عبدالله مزارع من قرية الكرين يمتلك 45 هكتاراً من الأراضي منها خمسة هكتارات مشجرة بأشجار الزيتون والرمان، يروي بأنه حفر منذ أعوام 3 آبار منها بئران غزارتهما ضعيفة وبئر بغزارة جيدة، إلا أن البئرين شحت مياههما وجفتا مؤخراً، أما البئر الثالثة فضعفت غزارتها منذ أكثر من عام. ويقول "أضطر إلى تخفيض مدة استخدام ضخ المياه من البئر إلى النصف، بحيث أستطيع أن أسحب من البئر لمدة ست أو سبع ساعات يومياً بغزارة إنش وربع فقط، (فألجأ إلى) ري الأشجار بالتناوب".

ويشرح المزارع بأن عمق الآبار لديه يتراوح بين 100 و120م، وأنها تعتمد في تخزين مياهها على مجاري الينابيع الأرضية التي تتغذى على مياه الأمطار والمياه الزائدة من ري الأراضي في مناطق أخرى، ولكن توقف ري الأراضي الناتج عن نقص منسوب الفرات وخروج مضخات الري والشرب عن الخدمة من جهة، وموسم الجفاف الذي ضرب المنطقة من جهة آخرى، تسبب بانخفاض منسوب البئر لديه وجفاف الأخريين.

أما علي المحمد الذي يملك أرضاً زراعية بمساحة عشرة دوانم زيتون في قرية البومانع بريف الطبقة الغربي، فلجأ منذ سنتين إلى حفر بئر بسبب عدم وصول مياه الشرب الى قريته. يقول "وصلنا إلى المياه الجوفية على عمق 40م تحت الأرض، ولكن تابعت الحفر حتى 100م" كانت المفاجأة أن مياه البئر مالحة لا تصلح للشرب، لكن علي كان مضطراً لاستخدامها بشكل دائم للشرب وري أشجاره، ثم صارت مياه البئر تقل غزارتها مؤخراً. يتابع "كانت مياه البئر تتدفق باستمرار بمعدل إنش ونصف، أما الآن فلا أستطيع أن أضخ المياه لأكثر من ساعتين متواصلتين بسبب شح مورد الينابيع التي تغذي البئر".

الثروة الحيوانية

يتركز قسم كبير من ماشية الرقة من الأغنام والماعز والأبقار والإبل في باديتها، ويعتمد سكان الأخيرة بشكل أساسي والأرياف على الآبار الارتوازية كمصدر رئيسي ووحيد للشرب والزراعة وسقاية المواشي، وقد لحقت بهم تأثيرات الجفاف وانخفاض منسوب الفرات، ويعدون المتضرر الأكبر في المحصلة.

ازدادت أعداد الماشية في المنطقة بشكل كبير بعد أن استقبلت نزوح الكثير من المربين مع ماشيتهم إلى المنطقة من مناطق سيطرة النظام، وتأتي الأوضاع الأمنية السيئة وارتكاب المليشيات التابعة للنظام مجازر بحق مربي الماشية، على رأس الأسباب التي دفعت هؤلاء إلى ترك مناطق سيطرة النظام في ريف الرقة الجنوبي. شملت المجازر قتل العديد من رعاة الأغنام في البادية وسرقة واغنامهم، وقد وثّق "مركز توثيق الرقة" ٩٥ مجزرة بحق الرعاة ابتداء من بادية الرقة والطبقة من قرية امباج والزملة غرباً وصولاً إلى بادية معدان وزور شمر والسبخة شرقاً.

يفيد مصدر عين المدينة بأن ريف الرقة الغربي وقسم من البادية التي تقع ضمن سيطرة قسد، تحتوي على قرابة مليون ومئتي ألف رأس من الأغنام، وأكثر من 2500 من الأبقار و1400 من الإبل و250 من الخيل الأصيل. ويضيف عضو جمعية فلاحية وغنامية اكتفى بتعريف نفسه بأبو أحمد، تضم منطقته أكثر من 5500 رأس من الأغنام، أن قسمأ كبيراً منها تقطع مسافات طويلة لسقيها من مياه الفرات، ويقول أبو أحمد بأن مياه الآبار التي صارت شحيحة الآن، تعد مفيدة للماشية لاحتوائها على أملاح ومعادن ومواد عضوية ضرورية في تغذية الماشية، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على زيادة إنتاجها من الحليب، عدا عن كون مياه الآبار دافئة شتاء وباردة صيفاً.

ويعود سبب انخفاض مستوى مياه الآبار حسب رأي أبو أحمد، إلى الجفاف الذي أصاب المنطقة وتوقف ري الأراضي الزراعية، الذي له دور كبير في قلة المياه الجوفية والمخزون الباطني للأرض.