مختار حطلة السابق قبل وبعد عزله واعتقال ابنه

من الإنترنت

ربما ظن أبناء قرية حطلة الخاضعة للنظام في ديرالزور، أن حماس المختار فاضل يونس الظاهر انتهى مع عزله عن المخترة واعتقال ابنه منذ أشهر، لكن ذلك الحماس الذي يعد "شيك على بياض" قدمه الظاهر للنظام، ما زال متقداً ويدفع الرجل الذي شارف على السبعين من العمر لاستئناف عمله المعتاد في التقرب من الأطراف الفاعلة، والوشاية بكل من يصل إليه قلمه، وإقناع قريته بعمله على تحسين واقعهم المعيشي.

على أن كل يوم من أيام المختار السابق أبو عدنان يمر بمثابة محنة يعيشها، ممزقاً بين نظرات الشماتة أو عدم الامتنان العام في قريته، وتنكر القيادة لخدماته، واستمراره في تولي دعم الأخيرة المجاني.

عزل الظاهر عن المخترة وتكليف مختار قرية الحسينية المجاورة بالقيام بأعماله، من الأخبار السعيدة التي وصلت إلى قرية حطلة منذ أشهر، لأن ذلك يعني وضع حد للمكانة المزعومة التي يروّج الظاهر (أو يؤمن؟) بأنه يشغلها، إضافة إلى أن "المسؤولين بالدير" لم يعودوا يعيرون آذاناً صاغية للظاهر ووشاياته التي ترتبط بالمكائد المحلية. ربما كان السبب مطالبته بإلغاء الرسوم التي تفرضها الفرقة الرابعة على المستفيدين من معبر الصالحية بين مناطق النظام و"قسد"، إذ كان الرد المباشر إحضاره إلى مكتب ضابط أمن الفرقة الرابعة بديرالزور وتوبيخه على الملأ وتهديده بالسجن بحسب أحد أبناء قريته، وبذلك يكون الرد البعيد إدانته بتزوير إخراجات قيد مقابل مبالغ مالية لأشخاص خارج سيطرة النظام.

لم يعد يملك المختار السابق إذن وصولاً يسمح له بالانتقام من قريبه الذي وشى بابن الظاهر صفوان الطالب الجامعي في كلية الحقوق بدمشق منذ أربعة أشهر على خلفية "نشاط سياسي" للابن، ما أدى الى اعتقاله لدى فرع الأمن العسكري وترحيله إلى فرع فلسطين بدمشق بتهم ذات خلفية سياسية. لا بد من الصبر الآن والرضوخ للشؤون اليومية المعتادة.

على كل حال يعيش الظاهر في الروتيني واليومي منذ ما بعد سيطرة قوات النظام على مدينة دير الزور ومحيطها، ودخول الميليشيات الطائفية من حزب الله وزينبيون وفاطميون إلى قرية حطلة في تشرين الأول 2017، حينها كان المختار من أوائل المستقبلين لتلك الميليشيات بالولائم وتخصيص المقرات لها وحض أبناء القرية ومن حولها على الانتساب إليها، وفي مقدمتها حزب الله السوري، كما يحفظ الكثير من أبناء القرية.

منذ ذلك الحين انحصرت أعمال الظاهر بالتقرب من قياديي حزب البعث وضباط اللجنة الأمنية وحجاج الحرس الثوري كونه إحدى الأذرع الإيرانية.

إلى جانب ذلك ظل الظاهر يواضب على الاجتماعات الدورية التي يعقدها مركز المصالحة كل سبت في قرية حطلة لمخاتير القرى ويشرف عليها الضباط الروس، ما فتح له باب العمل على إقناع أبناء المنطقة بالانتساب إلى الفيلق الخامس التابع للقيادة الروسية، وتنظيم طلبات انتساب لميليشيا فاغنر في منزله بالقرية. في تلك الفترة تعاظم الدور الموهوم للظاهر، فقرر في لحظة ربما سيتذكرها أبناء قريته طويلاً، أن يطالب بمنع عودة آلاف النازحين من حطلة إلى منطقة معيزيلة شمالي مدينة ديرالزور بعد أن اتهمهم بالتنسيق مع جبهة النصرة وفصائل المعارضة بقتل وتشريد الشيعة من القرية، في اجتماع ضم مسؤولين وقادة ميليشيات بعضهم ينتمي إلى حطلة.

باستثناء هذا وذاك، يحاول الظاهر إقناع أبناء قريته أن مطالبهم على رأس أولوياته: "دعم الجمعية الزراعية وإصلاح الطريق وزيادة الدقيق لأفران البلدة"، وأنه يحملها على الدوام في ورقة يقدمها للمسؤولين أينما حل حتى بعد عزله عن المخترة، ولإكمال الصورة التي يحاول رسمها لأهميته وإتمام المهام التي كلف نفسه بها، لا يفوت صلاة جمعة أو أي مناسبة اجتماعية كالأعراس والتعازي في قريته أو القرى المجاورة، ليذكر بصحة تحليله وتوقعاته عن سقوط المؤامرة على القيادة السورية، ويعمل على توعية المحيط بنصائح مثل التنبيه من القهوة المرة تجنباً للإصابة بكورونا؛ في حين يحاول توسيع مجاله الحيوي في ريف دير الزور الخاضع للنظام، فيطوف على الفرق الحزبية أو اجتماعات اتحاد الفلاحين، وفي غالبيتها يمكن تلخيص خطاباته التي يقرأها من ورقة بأن "الوطن أم" على حد تعبير أحد الحضور.

وعدا عن كونه مختاراً سابقاً، ليست لدى الظاهر أي معلومات يضيفها إلى ملفه الشخصي؛ من مواليد 1954 ينتمي إلى عشيرة البوبدران، درس حتى الإعدادية، وعمل لسنوات طويلة في معمل الغزل والنسيج ثم في محطة المياه التابعة له، وترأس نقابة العمال داخل المعمل. بينما يعمل اليوم "معقب معاملات" لدى أبناء قريته، ووسيط في الدوائر الحكومية أو مفارز الأمن مقابل مبالغ مالية، ويعتني مع أبنائه بأرضه بعد أن أعادت له "الأمل في العمل" مساعدة مالية من ابنته في البحرين، أعانته على تأمين ألواح طاقة شمسية لسقاية الأرض.

هذا لا يعني أن حياة الظاهر فقيرة تماماً من الأحداث، فلو قيّض له أن يكتب مذكراته لكانت حافلة بالأحداث المفصلية التي أثّرت على قريته ومحيطه، فقد بدأ الظاهر بالظهور على الساحة مع تكليفه كمختار لقرية حطلة بداية العام 2012 بدعم من عائلتي الرجا والمعيوف المقربتين من النظام، حينها كان الأخير ما يزال يتحكم بمفاصل المنطقة، فاقتصرت مهمته وقتذاك على إمداده بأخبار المتظاهرين وعناصر الجيش الحر وأماكن تجمعاتهم وتمركزهم.

في بداية حزيران 2013 قام المختار برفقة عمر سلامة الخلف (الرئيس الحالي لمكتب العمال والاقتصادي في فرع حزب البعث بدير الزور) بما سيفخر به اليوم، إذ راح يدخل أسلحة تضم قناصات من مدينة ديرالزور الواقعة تحت سيطرة النظام آنذاك، إلى قرية حطلة الواقعة تحت سيطرة الجيش الحر بإيعاز من عائلتي الرجا والمعيوف، ما تسبب لاحقاً باقتتال شاركت فيه الفصائل لانتزاع السلاح من أتباع النظام في القرية.

لم يتم التعرض للمختار حينها لعدم إثبات تورطه بإدخال الأسلحة وللحفاظ على الصلة العشائرية التي تتحكم بحياة القرية، في حين فرض تنظيم الدولة التوبة عليه بعد سيطرتها على المنطقة، ثم توارى عن الأعين لأكثر من عام بعد اتهامه بالضلوع بتفجير جسر السياسية في تشرين الأول 2014 عن طريق زرع عبوة ناسفة أسفل أحد أعمدة الجسر.