مأزق السكان جنوب الحسكة.. بين حملات ”قسد“ وهجمات داعش

قوات "قسد" في سوريا - (انترنت)

بعد "الحملة العسكرية" التي أطلقتها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) "انتقاماً" لمقتل الرئيسة المشتركة لمجلس بلدة تل الشاير جنوب الحسكة سعدة الهرماس ونائبتها هند الخضير في 23  كانون الثاني المنصرم، يبقى المدنيون هناك عالقين بين نتائجها كما أظهرها الإعلام الرسمي لـ“قسد“، ومجرياتها الفعلية كما رواها لـ“عين المدينة“ أهالي وفاعلون من المنطقة، وبين ضغط الخوف من خلايا "تنظيم الدولة" (داعش).

شاركت في الحملة التي بدأت في الـ4 من شباط الجاري وانتهت في الـ14 منه، كل من "وحدات حماية الشعب" و"وحدات حماية المرأة" و"قوى الأمن الداخلي" إلى جانب ”قسد“، حسب صفحة "الإعلام الحربي" للأخيرة على فيسبوك. وشملت الحملة مناطق في البادية الممتدة من الحسكة باتجاه ديرالزور جنوباً، وشرقاً حتى الحدود السورية العراقية، واستهدفت قرى التويمين وأبو حامضة وتل الشاير وتل صفوك والدشيشة والعطشانة في ريف منطقة الشدادي جنوبي محافظة الحسكة. وفي منشور نشرته مؤخراً صفحة "الإعلام الحربي" على فيسبوك، ظهر في فيديو من قالت إنه أحد مرتكبي جريمة اغتيال الإداريتين، وأن عدد المعتقلين في الحملة العسكرية كان "87 إرهابياً" حسب المنشور.

يشرح أحد القضاة في محاكم "الإدارة الذاتية" في مدينة الحسكة لـ“عين المدينة“ أن الاعتقالات التي حصلت في منطقة جنوب الحسكة هي "اعتقالات أمنية خاصة بتهم الإرهاب، لا تحتاج إلى مذكرة توقيف أو أمر قضائي". ويتابع القاضي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه: "أي شخص ينذكر اسمه ينجاب". ورغم امتلاك محاكم "الإدارة الذاتية" لوائح تنظيمية في هذا الصدد، لكن نفاذها يقتصر على القضايا المدنية، حسب القاضي الذي ختم حديثه بسخرية ممزوجة بنقمة "خلينا ساكتين أحسن".

محمد (اسم مستعار) أحد أبناء المنطقة التي شملتها الحملة واعتقل أخوه فيها، يذكر أن الحملة بدأت الساعة 2 فجراً، نفَّذتها دوريات مكونة من عشرات العناصر في عربات مصفحة وسيارات بيك أب مزودة برشاشات مضادة للطيران. يقول محمد لـ“عين المدينة“ للتدليل على عشوائية قسم كبير من الاعتقالات "شالوا من كل بيت شخص"، ويضيف أن أحد المعتقلين الذين حرص العناصر على التأكد من اعتقاله يعمل في تهريب السلاح، وقد اعتقلوا معه أخاه من ذوي الاحتياجات الخاصة.

ورغم أن المعتقلين في الحملة ما زالوا في سجون ”قسد“، بحيث يصعب التحدث معهم، لكن مجريات السجن والتحقيق باتت معروفة لسكان المنطقة الممتدة بين ريف الحسكة الجنوبي وريف دير الزور الشمالي الشرقي باتجاه الحدود العراقية، والتي شهدت حملات اعتقال متكررة في أوقات متفرقة منذ سيطرة ”قسد“ على المنطقة. كان أبرزها بداية عام 2019 بعد استهداف رتل لقوات التحالف الدولي في منطقة الشدادي، تلاها الكثير من الحملات المشابهة.

يوسف (31 عاماً معتقل سابق) قال لـ“عين المدينة“ إن اعتقاله كان من مدينة الشدادي نهاية العام 2020، وأنه خضع بعدها للتحقيق من محققَين أحدهما "كردي لا يعرف العربية"، وأن جلسة التحقيق سُجّلتْ عبر كاميرا فيديو. يضيف: "طلعت بعد شهر بسجن الحسكة بدون ما أعرف سبب الاعتقال".

أما الطفل ياسين (16 عام من قرى جنوب الحسكة) اعتقل في حزيران 2020 مع 8 أشخاص من قريته، بتهم متفرقة مثل الانتماء إلى داعش والتواصل مع "الجيش الوطني". يقول إنه قضى 13 يوماً في السجن، بدايتها يومان في منفردة في سجن الشدادي، ثم في زنزانة جماعية في سجن الحسكة، ويضيف "أول أسبوع اعتقال كفوف ورفسات" في إشارة إلى الضرب الذي تعرض له مع باقي المعتقلين. 

وبحسب من تكلمت معهم ”عين المدينة“ من المنطقة، فإن الذين يدخلون إلى السجن اعتباطياً في حملات مشابهة، يخرجون إما عن طريق وساطات عشائرية من وجهاء وشيوخ عشائر من المنطقة أو عبر رشاوى لمتنفذين في ”قسد“. كما ذكر العديد منهم أن عدد من اعتقل خلال الحملة الأخيرة تجاوز 120 شخصاً، ويعتقد الكثيرون من أبناء المنطقة أنها بمثابة عقاب جماعي للأهالي، الذين رفض الكثيرون منهم -بعد عملية الاغتيال- الذهاب إلى وظائفهم في مؤسسات الإدارة الذاتية، بسبب الخوف من التهديد الضمني الذي حملته عملية الاغتيال إلى أبناء المنطقة لردعهم عن العمل مع الإدارة، حسب ما صرح به من تكلمت معهم ”عين المدينة“.