للتعبير عن الثورة من خلال المسرح: فرقة "طريق الخبز" تواصل عروضها في حلب

يسعى ناشطو الأجزاء المحرّرة من مدينة حلب إلى استثمار الحرّية التي منحتهم إياها الثورة بمختلف الوسائل، والتعبير عن آرائهم وأفكارهم التي كانت مكبوتةً لسنواتٍ طويلةٍ بسبب الممارسات القمعية التي فرضها نظام الأسد على السوريين بشكلٍ عامّ، وعلى الشباب بشكلٍ خاصّ، في مختلف المجالات الفكرية والفنية. إلا أن الأوضاع الأمنية تشكل عائقاً أمام المسرحيين بسبب استهداف الطيران الحربيّ تجمّعات المدنيين مراراً.

طريق الخبز في "حفلة عربية من أجل الحرّية"

ورغم تردّي الأوضاع الأمنية في المدينة، وغياب الإمكانيّات، أسّست مجموعةٌ من الناشطين في مختلف المجالات الثورية فرقةً مسرحيةً مستقلةً باسم "طريق الخبز"، قدّمت مسرحيتين كانت أحدثهما "حفلة عربية من أجل الحرية"، التي تنتقد سلوكيات بعض شرائح المجتمع خلال الربيع العربيّ، وخاصّةً أولئك الذين اعتبروا أن الحرّية تبيح لهم الاعتداء على حقوق الآخرين.

وقال أحد أعضاء الفرقة، صلاح الأشقر، في تصريحٍ لـ"عين المدينة" إن هذه المسرحية تلخص معاناة كلّ مواطنٍ عربيٍّ مقهورٍ من تسلط الحكام وأتباعهم بكافة فئاتهم، حتى أوصلوا الشعب إلى مرحلة الغليان واللاعودة عن المطالبة بالحرّية مهما كانت العواقب، وجرّدت أصحاب الأقنعة من الوجوه المزيفة عن طريق استنشاق هواء الحرّية، وأوضحت الشرخ الذي أصاب مجتمعنا بعدما اكتسب جزءاً من حرّيته بطريقةٍ غير مباشرة، لتتشكل لديه قناعةٌ بأنه مهما كانت نتائج الثورات سلبيةً على المدى القريب إلا أن هذه المرحلة عابرةٌ في النهاية، ولا بدّ من المرور بها لتكون جسراً للعبور إلى الحرّية والخلاص من العبودية المقنّعة.

ورأى الأشقر أن الفراغ المسرحيّ في المناطق المحرّرة ساعد في نجاح الفرقة وأسهم في منح أعمالها صدىً كبيراً في الداخل والخارج، لأنها الفرقة الوحيدة التي تُقدم عروضاً مسرحيةً في إحدى أخطر المدن في العالم، ورغم وجود المتشدّدين. وقال إن النجاح النسبيّ للفرقة دفع أعضاءها إلى العمل على تطوير أدائهم من خلال تكثيف البروفات واللقاءات الدورية التي تتخللها متابعةٌ لعروضٍ مسرحيةٍ عالمية.

الثورة بلا فنٍّ لا وجود لها

وقال رئيس الفرقة، الكاتب سلمان إبراهيم، لـ"عين المدينة" إن الهدف من تأسيسها كان التعبير عن الثورة من خلال الأعمال الفنية، لأن الثورة بلا فنٍّ لا وجود لها. وأوضح أن الفرقة أُسّست في آب 2014 من خمسة جامعيين من مختلف الاختصاصات، اختاروا لها اسم Bread Way، استيحاءً من اسم شارع Broadway في نيويورك، الذي يضمّ أشهر المسارح العالمية.

وأضاف إبراهيم: "أول عملٍ للفرقة كان مسرحية "دكاكين" التي كانت أقرب إلى الكوميديا السوداء، وسخرت من دكاكين الثورة التي حوّلت المناضلين والمضحّين إلى أصحاب مشاريع للتكسّب تستجلب المال بغضّ النظر عن الشروط التي يفرضها الداعم. قدّمنا أربعة عروضٍ للمسرحية في مدينة حلب، بلغ عدد حضور كلٍّ منها 150 شخصاً. وبعدها قدّمت الفرقة نشاطاتٍ غنائيةً في شوارع حلب. ثم شكلنا مسرح عرائس بهدف تعريف أطفال المدينة بالمسرح وأهميته".

وعن مسرحية "حفلة عربية من أجل الحرية" قال إبراهيم إنه كتبها قبل أكثر من تسعة أعوام، عندما كان من المستحيل أن ترى النور بسبب الأفكار التي تتضمّنها، إلا أن الثورة أتاحت له فرصة إخراجها من الدرج وعرضها على الفرقة وإضافة بعض التعديلات عليها لتتماشى مع ظروف وتطوّرات المرحلة. مشيراً إلى أن تكلفة المسرحية بالكامل لم تتجاوز الثلاثة آلاف دولارٍ أميركيٍّ، قدّمها سوريون ثوريون. مؤكّداً أن الفرقة لم تتلقّ أيّ دعمٍ من المنظمات.

صوت الشعب المكلوم وضميره

وقال الناشط الإعلاميّ مجاهد أبو الجود، أحد الذين حضروا مسرحية "حفلة عربية من أجل الحرية"، إنه تفاعل مع العمل وتأثر به كثيراً. ورأى أن المسرحية تعبّر بنسبةٍ كبيرةٍ عن الواقع الذي تعيشه مختلف بلدان الربيع العربيّ، سواء سوريا أو حتى مصر والعراق وليبيا وباقي الدول التي اشتعلت فيها ثورات الكرامة. ويعتقد أبو الجود أن المسرح غُيّب في الثورة السورية ربما بسبب غياب أشخاصٍ مختصّين به. مشيراً إلى أن فرقة "طريق الخبز" استطاعت خلال عرضها الأخير أن تكسر القالب الذي كان يأسر الفرق المسرحية ونطقت باسم الشعب الحرّ وضميره.