في مخيمات الشمال.. نساء يُظللن أُسرهن بدل سقوف الخيام

مخيم العمران في بلدة حربنوش - بعدسة الكاتبة

تنشغل عائشة مع أبنائها في جمع الحجارة لترصفها حول خيمتهم، في محاولة منها لمنع تسرب مياه الأمطار إلى داخل الخيمة، بعد أن عاشوا ليلة عصيبة منذ أيام جراء تسرب المياه والأوحال إليهم أثناء نومهم.

معاناة أسرة عائشة هي جزء من معاناة تكبر في مخيمات الشمال السوري يوماً بعد يوم، تقف الأمهات في مواجهة فصولها الضاغطة، يبْنينَ لأسرهن خياماً داخل الخيام الممزقة والبائسة، التي تكشف الأمطار الغزيرة عن رداءتها وعدم صمودها في وجه البرد والرياح، وضعف استجابة المنظمات الإنسانية لأحوال آلاف النازحين الذين وجدوا أنفسهم في مخيمات تفتقد مقومات الحياة، بعد أن هجرتهم طائرات النظام السوري وحلفائه ودمرت منازلهم.

عائشة الحسين (35عاماً) نزحت من معرة النعمان إلى مخيم في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، مع خمسة أولاد وزوجها المصاب بمرض عضال، تتحدث لـ“عين المدينة“ عن معاناتها بالقول: "استيقظنا منذ أيام لنجد مياه المطر قد بللت أرض الخيمة والفرش والأغطية التي ننام عليها، فكنا أمام مشكلة حقيقية. وقفت عاجزة لا أملك سوى البكاء، لذلك أحاول بمساعدة أولادي أن أحصِّن الخيمة من السيول، بوضع الحجارة وإقامة حواجز ترابية، علَّها تخفف من معاناتنا التي تتكرر كل شتاء، دون أي أمل برجوع قريب إلى منازلنا".

تبين الحسين أن أمنيتها هي العيش مع أسرتها في غرفة تكون جدرانها من الطوب، تصمد بوجه الريح، وتخفف عنهم البرد والحر، ولا تسمح بتسرب المياه إلى داخلها.

كذلك يفتقد معظم النازحين لوسائل التدفئة، الأمر الذي يدفع الكثيرين للبحث عن كل ماهو قابل للاحتراق، لتوفير ما تيسَّر من دفء لأطفالهم.

أم عمر تخرج منذ الصباح مع أولادها إلى الكروم والجبال ومكبات القمامة القريبة من المخيم لجمع الكرتون والأعواد والبلاستيك، بهدف إشعال المدفأة حين يشتد البرد ولا تقوى أجساد أولادها الصغار على تحمله.

أم عمر (29 عاماً) نزحت من مدينة كفرنبل إلى مخيم على أطراف مدينة حارم، وتعيش مع أمها وأولادها الثلاثة في خيمة صغيرة بعد موت زوجها منذ عام جراء غارة حربية على المدينة قبل نزوحهم، تتحدث لـ“عين المدينة“ بقولها: "الموت أرحم من العيش في المخيمات، دون مصدر للدفء أو المساعدات. نجد صعوبة كبيرة في الخروج من الخيمة بسبب الوحل، أما الأطفال فأضطر لحملهم إلى الحمام لعدم قدرتهم على المسير خارج الخيمة".

تبين أم عمر أنها لا تستطيع شراء المحروقات أو الحطب بسبب الفقر، لذلك تجمع المخلفات القابلة للاحتراق طوال فصل الصيف، لكن احتراقها السريع يضطرها للخروج يومياً لجمع المزيد.

أما النازحة فاطمة العثمان (40 عاماً) فتعاني من الدخان والروائح الكريهة التي تنبعث من المدفأة جراء احتراق مادة "الجلّة" (مكونة من روث البقر والقش) التي خزنتها صيفاً للحصول على الدفء في الشتاء، وعن ذلك تقول: "تركنا أرزاقنا وكل ما نملك، ونزحنا من بلدة جرجناز إلى مخيم في منطقة دير حسان، وليس بمقدورنا شراء الغاز أو الوقود بسبب الغلاء الكبير في الأسعار، لذلك أستأذن جيراني الذين يربون عدداً من الأبقار في استخدام الروث لصناعة أقراص "الجلة" التي أستخدمها لإشعال المدفأة وموقد الطهي".

وتتابع: "أقوم بخلط الروث بالقش مع إضافة الماء، ثم أجعله على شكل أقراص دائرية، وأتركها تجف تحت أشعة الشمس، وأخزِّنها في خيمة مجاورة”.

تشير العثمان إلى أن احتراق هذه المادة يبعث روائح كريهة داخل الخيمة، وهو ما يسبب لهم السعال، كما أصيب ولدها البالغ من العمر خمس سنوات لمرض التهاب رئوي مزمن، ولكن "ليس باليد حيلة" وفق تعبيرها.
تتعرض معظم المخيمات الحدودية للغرق المستمر بفعل الأمطار والسيول بحكم إنشائها بشكل عشوائي على أراض زراعية وطينية تقع في نطاق أودية منخفضة، وتكتمل معاناة النازحين جراء ضعف استجابة المنظمات الإنسانية لأوضاعهم الصعبة، ووجود فجوة كبيرة بين الحاجات المتزايدة وما يصل من مساعدات إغاثية.

محمد القدور (44 عاماً) مدير مخيم في قرية كفرعروق بريف إدلب الشمالي يتحدث لـ“عين المدينة“ عن أحوال النازحين بقوله: "يعيش النازحون ظروفاً سيئة للغاية، فهم يفتقدون الحد الأدنى من الخدمات الأساسية كالمياه والحمامات وخدمات الرعاية الصحية”.

يؤكد القدور أن المعاناة تتضاعف في الشتاء، فالعواصف والهطولات المطرية الغزيرة تؤدي إلى حدوث سيول وفيضانات في المناطق المنخفضة، كما تتسبب في غرق العديد من الخيام، إلى جانب امتلاء الحفر بالمياه، وتشكُّل الوحل في الأرضيات غير المجهزة، ما يزيد من معاناة النازحين ومرارة نزوحهم.

واستطرد قائلاً: "الأمطار تلحق أضراراً كبيرة بالمخيم، وبعض الخيام لا توجد فيها مدافئ، لذلك نطالب المنظمات بتقديم مساعدات عاجلة، لتأمين احتياجات الشتاء للنازحين، من خلال توفير الخدمات الصحية اللازمة للفئات الأشد ضعفاً، وإنشاء شبكات للصرف الصحي والمطري، وتأمين العوازل الضرورية لمنع دخول مياه الأمطار إلى الخيام، إلى جانب الأغطية واللباس الشتوي لمواجهة البرد، ورصف الطرقات بالبحص والرمل".

وتجدر الإشارة إلى أن فريق "منسقو استجابة سوريا" رصد خلال تقريره الأولي للأضرار في المخيمات بعد العاصفة المطرية بتاريخ 17 من شهر كانون الأول /ديسمبر الحالي، تضرر 91 مخيماً في مناطق شمال غرب سوريا، مع تعرض معظم المخيمات لأضرار متفاوتة، وتركز الأضرار الكبرى في مناطق معرتمصرين ومركز إدلب ومخيمات أطمة وأجزاء من مخيمات الريف الغربي للمحافظة، وذكر أن عدد الخيام المتضررة بشكل كلي بلغ 174 خيمة موثقة، في حين بلغ عدد الخيم المتضررة جزئياً 318 خيمة، فيما تجاوزت نسبة أضرار الطرق الرئيسية والفرعية ضمن المخيمات 89%، أي ما يعادل 4 كم تقريباً.

وأشار التقرير إلى أن نسبة احتياج المخيمات من العوازل المطرية والأرضية هي 100%، أما التدفئة من حيث المواد والوسائل فبلغت 94 %، وبلغت نسبة حاجة النازحين لمواد النظافة الشخصية 100%، وأكد أنه لا توجد حتى الآن استجابة فعلية أو كاملة للمتضررين من العاصفة المطرية التي ضربت المنطقة.

كل عام يتجدد لقاء النازحين مع قسوة فصل الشتاء بأجوائه الباردة، في خيام لا يجدون فيها أقل مقومات العيش دون برد أو خوف أو معاناة في تأمين متطلبات الحياة، وتبقى المناشدات لإنقاذ أهالي المخيمات، واتخاذ التدابير اللازمة للحد من أثر العواصف والأمطار مجرد مطالب بعيدة المنال، في حين تكافح نساء تلك المخيمات لتظليل أسرهن بدل السقوف.