في الذكرى الثانية لرحيله... "عين المدينة" تشاهد حجّي مارع بعيون رفاقه

لا يتبادر إلى ذهن متابع أحداث الثورة اليوم عموماً، وما يجري في حلب خصوصاً، من الشخصيات سوى الشهيد عبد القادر الصالح، أحد أبرز أيقونات ثورة الكرامة والحرّية. الذي تمكّن، ولواء التوحيد الذي كان يقوده، منتصف عام 2012، من تحرير أكثر من 70% من مدينة حلب بأسلحةٍ خفيفةٍ ومتوسطة.

لم يكن موت الصالح أو "حجّي مارع" خسارةً لحلب وحدها، وإنما خسارةً للثورة ولسوريا وللسوريين. كيف لا وهو الثائر الذي يشهد له الجميع بمواقفه البطولية وحسن خلقه وطيب معاملته.

وتمرّ في هذه الأيام الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد الصالح الذي قضى، ومجموعةٌ من عناصر لواء التوحيد، متأثراً بالإصابة التي تعرّض لها بتاريخ 15/11/2013، إثر استهداف الطيران الحربيّ التابع لنظام الأسد مكان الاجتماع الذي كان يعقده مع قيادات اللواء في مدرسة المشاة بريف حلب الشماليّ.

وروى الزميل "مصطفى سلطان"، أحد الذين رافقوا الحجّي خلال مسيرته الثورية منذ بدايتها حتى آخر يومٍ في حياته، والذي كان مصوّراً حربياً في لواء التوحيد آنذاك؛ عدّة مواقف عن الصالح، متحدّثاً لـ"عين المدينة" عن طريقة معاملته للعناصر، واصفاً إياها بـ"الأخوية" حسب تعبيره.

المدنيون والناشطون خط أحمر

يقول سلطان إن الشهيد الصالح كان دائماً يوصي المقاتلين التابعين له بضرورة معاملة المدنيين معاملةً جيدةً والتواضع لهم، مؤكداً للمقاتلين أنهم يجب أن يكونوا حرّاساً للمدنيين ولممتلكاتهم الخاصة، ومشدّداً على أن العسكريين ليسوا جلادين، ولا يحقّ لهم الاستعلاء بالسلاح أو بالمعاملة.

وأكد سلطان أن أكثر ما أزعج الصالح من داعش ودفعه إلى الحديث عن ضرورة وضع حدٍّ لها هو قيامها بخطف الناشطين والاعتداء على الإعلاميين، وبعد أن سمع ورأى تجاوزاتها بحقّ المدنيين وتدخلها في أمورهم، ليعلنها صراحةً بعد خطف الناشط الإعلاميّ "عبد الوهاب ملا"، فطالب، في اجتماعٍ يضمّ قادةً عسكريين في اللواء يومها، بوضع حدٍّ للتنظيم.

خطته للقضاء على داعش

وروى سلطان أن أحد القادة العسكريين اقترح خلال الاجتماع المشار إليه أن يبدأ اللواء بشنّ حربٍ على التنظيم وقتاله، إلا أن الصالح رفض ذلك لعلمه بخبث داعش، واقترح أن يتمّ التخلص منها بطريقةٍ أخرى وهي استدراج قيادة التنظيم وعناصره إلى أحد المواقع البعيدة عن المدنيين وقتلهم فيه. مشيراً إلى أن الصالح قال خلال الاجتماع إن داعش لا تمثل الإسلام ولا دولته، فالإسلام رحمةٌ وعدلٌ وليس قتلاً وخطفاً وبطشاً.

ولفت سلطان إلى أن الحجّي قام بعدها بالاجتماع مع عدّة فصائل من الجيش السوريّ الحرّ والكتائب الإسلامية، ومن بينها حركة أحرار الشام، وعرض عليهم الأمر فوافقوا على قتال التنظيم بالطريقة التي اقترحها، إلا أن أحداً ما سرّب الخبر لتقوم داعش بعدها بشنّ الحرب على فصائل الجيش الحرّ.

كان بالمختصر "ثورة"

وتحدث "عُمير"، أحد مقاتلي لواء التوحيد سابقاً، عن شخصية الشهيد الصالح وبساطته التي وصفها بـ"غير المفهومة" وبأنها بعيدة كلّ البعد عن التفسيرات المنطقية والعقلانية، وكيف جمعت بين الهدوء واللطف والتمرّد والشدّة على الظلم والطغيان.

وأضاف "عُمير": "كان إنساناً يدفعه شعورٌ خفيٌّ بالضرورة الملحة للانتفاض على الظلم، تلك الإنسانية التي تدعمها الفطرة الإسلامية الهادئة والجياشة في الوقت نفسه. عرفته في ثنايا حلب القديمة، وعلى سفوح الموت في ساحاتها، يتحاشى الكاميرات التي تلاحقه خوفاً على نفسه من أن يغترّ إن ذاع صيته. وأشهد أنه كان يكره المؤتمرات والكاميرات واللقاءات المطوّلة بعيداً عن وطنه، وكان يلوم أصدقاءه قائلاً: دعوني وشأني أنا وسلاحي وثورتي، وأبعدوني عن متاهات السياسة وأغوارها".

وتابع "عُمير": "لم أذكر يوماً أنه تغاضب مع أحدٍ أو خاصمه إلا بادر قبل أن ينام إلى مصالحته وممازحته. فقد كان كثير المرح، حيوياً لا يعرف الكسل، قائداً بطبعه، لا يخشى الخطر، متأهباً للموت في أيّ لحظة. كنا نمازحه بما ذاع من صيتٍ عن أهل مدينته مارع بأنهم أرانب لكثرة حبّهم للجزر، فلم يكن منه إلا أن يضحك. كان، بالمختصر، ثورة".

أيديولوجيته هي مبادئ الثورة

بدوره قال الناشط الاعلاميّ "أُسيد باشا" أن الثورة السورية خسرت بفقدان حجّي مارع رجلاً كان أساس أيديولوجيته مبادئ الثورة ولا شيء آخر. معتبراً أن الشهيد سخّر فصيله، الذي كان الأكبر حينها في الشمال، من أجل هذه المبادئ، وجسّدها عملياً في تقرّبه وخدمته للشعب.

وأكد باشا أن هذا الأمر هو الشيء المفقود اليوم، في ظلّ هيمنة الأيديولوجيات الفكرية المختلفة على الساحة وبعدها عن هموم الشعب السوريّ.