طلاس السلامة قائد أسود الشرقية:

سنؤسّس جيشاً لتحرير دير الزور من داعش والنظام

 200 مقاتلٍ فقط هم من تصدّوا لداعش، وسقوط الحدود العراقية والفوضى والتنافس واستئثار البعض بالنفط هي أسباب هزيمتنا في دير الزور

حاورته هيئة التحرير

ساعةً خلال مظاهرةٍ أمام جامعٍ في مدينته "العشارة" غيّرت حياة طلاس السلامة، من مالك معملٍ صغيرٍ لمواد البناء إلى ثائرٍ حمل السلاح دفاعاً عن المتظاهرين وهم يومذاك "نخبة البلد، طلاب جامعاتٍ ومتعلمون"، ضد "سرسرية حزب البعث وحشاشين ومخبرين"، حسب وصفه. ثم سارت به الأيام ليكون قائد مجموعةٍ من الجيش الحرّ دون اسم، تحوّلت إلى كتيبة "بشائر النصر" في الشهر الثالث من عام 2012، ثم إلى لواءٍ بالاسم نفسه. إلى أن اندلعت حرب داعش مطلع 2014 فكان من ألدّ أعدائها، وقاد، في الأسابيع الأخيرة من المواجهات، مجلس شورى المجاهدين فور تأسيسه، وهو تحالفٌ للفصائل المحاربة لداعش في دير الزور.

بعد اجتياح داعش للمحافظة خرج طلاس ومئاتٌ من مقاتلي الحرّ إلى القلمون الشرقيّ ليقودهم من هناك ضمن "أسود الشرقية"، وهي القوّة التي يتمنى أن تتحوّل، مع قوىً أخرى من المحافظة، إلى جيشٍ بالاسم ذاته، يحرّر دير الزور من داعش ومن بقايا النظام.

 

كيف تفسّر انتصار داعش السهل في دير الزور صيف العام الماضي؟

لم يكن انتصار داعش سهلاً. امتدّت حربنا معها لأشهرٍ عدّة، كانت لنا الغلبة فيها مرّاتٍ كثيرةً، ونجحنا في طردها من المحافظة كلها. لكن عوامل كثيرةً أسهمت في عودتها واجتياحها دير الزور قرية وراء قرية، كان أبرزها احتلال التنظيم للمناطق العراقية على الحدود لتنقطع بذلك خطوط إمدادنا الأخيرة، بعد أن تقطعت خطوط الإمداد داخل سوريا قبل أشهرٍ من ذلك في محافظة الرقة وفي البادية.

 

خطوط الإمداد فقط هي سبب انتصار داعش؟

لا، طبعاً. أخطاؤنا، نحن من حاربنا داعش، كان لها دور، والفوضى العامة، وعدم إخلاص البعض في صفوفنا، والخبث والفتن التي نجحت داعش في بثها بين عشائرنا وفصائلنا، وكذلك قلة عدد المقاتلين المتفرّغين فعلاً للقتال، وعوامل أخرى أسهمت في ما حدث. من ناحيةٍ أخرى لم نكن محضّرين نفسياً ودينياً لقتال داعش، في وقتٍ كنا نسمع فيه قبل المعارك معها عباراتٍ من بعض قادة جبهة النصرة بأنهم لا يقاتلون تحت "رايةٍ عمية" (يقصدون بها علم الثورة)، وهي العبارات ذاتها التي يقولها الدواعش.

 

ما هو العدد، ولو تقريباً، للمقاتلين الذين تصدّوا لداعش بشكلٍ دائمٍ خلال المعارك معها؟

200 مقاتلٍ فقط لا أكثر هي الكتلة الرئيسية في المواجهات. وهم ينتمون إلى فصائل وتشكيلاتٍ مختلفة، كان بعضها يرسل 15 أو 20 مقاتلاً ليقول نحن نقاتل داعش أيضاً، رغم قدرته على إرسال المئات.

 

أعلن البيان رقم واحد لمجلس شورى المجاهدين جبهة النصرة وأحرار الشام وجبهة الأصالة وجيش الإسلام وجيش مؤتة والقعقاع وآخرين أعضاء في هذا المجلس؛ هل شارك من كلّ هؤلاء 200 مقاتلٍ فقط في حرب داعش؟

نعم، عدا بعض المرّات التي تشبه "الفزعات"، يخرج فيها كثيرون في حملة مؤازرةٍ مثلاً لساعاتٍ ثم يعودون. بل كنا نفاجأ في المواجهات بانسحاباتٍ تستغلها داعش دوماً وتتقدّم بعد تراجعها إلى مركدة (شمال دير الزور، وتتبع لمحافظة الحسكة). هكذا سقطت قرى وبلدات الخابور تباعاً، بالتزامن مع سيطرة داعش على البادية لتدخل البلدات التي تريد على خطّ قرى "الشامية" (الضفة الجنوبية لنهر الفرات). لو نظمت صفوفنا مقابل داعش، ولو أخلص البعض منا في القتال، ولو قاتل معنا من اتخذوا موقف الحياد؛ لتغيّر الكثير. كان مجلس الشورى -في الواقع- محاولةً من جبهة النصرة لصرف الأنظار عن أخطائها في قضايا النفط والهيئة الشرعية، ولاستقطاب مزيدٍ من الحلفاء وتوسيع قاعدة المعادين لداعش. ولم يكن هؤلاء أكثريةً بالفعل، نظراً لتضارب المصالح بين الفصائل المسلحة والعشائر والتنافس والانقسام بينها واستئثار بعضها بثروات النفط. وهو ما عرفت داعش اللعب عليه.

 

لماذا اخترتم القلمون تحديداً، واختار مقاتلو جبهة النصرة درعا، كمواقع لكم بعد خروجكم من دير الزور؟

لا أعلم لماذا اختار مقاتلو النصرة درعا. بالنسبة إلينا لم تكن هناك طرقٌ وخياراتٌ كثيرةٌ نُخرج بها ما نستطيع من عتادنا، وكانت القلمون هي الأنسب بالمقارنة مع المناطق الأخرى في الشمال، كإدلب وحلب، حيث يستحيل أن نصل بسلاحنا وسياراتنا مع سيطرة داعش الكاملة على الطرق. لم تكن رحلتنا سهلةً أبداً. وكانت الأشهر الأولى شاقةً جداً، كنا مهزومين وجوعى ومفلسين ومنهكين ننام في العراء في ظلال الصخور أو تحت قماشٍ لا يشبه الخيم. وكانت نظرة الناس هناك مؤلمة، فلم نكن بالنسبة إليهم أكثر من لصوص نفطٍ هربوا من "الدولة الإسلامية". تحمّلنا كلّ ذلك وصبرنا ونجحنا في تغيير هذا التصوّر الظالم عنا، بل وكسبنا ثقة أهل القلمون سكاناً ومقاتلين، وقدناهم في بعض المعارك ضد النظام. وأيضاً طهرنا القلمون الشرقيّ من أيّ وجودٍ لداعش وقلنا للجميع لن نسمح بوجود داعشيٍّ واحدٍ هنا. ونحن اليوم نسيطر على أجزاء من طرقٍ ومساحاتٍ هامةٍ في بادية الشام. ونستطيع، لو توافرت الإمكانات اللازمة، توسيع مناطق سيطرتنا ثم الانطلاق في معركة تحرير دير الزور، وهي ليست بعيدةً عنا إلى حدٍّ كبير، ونستطيع الزحف نحوها خلال وقتٍ قصيرٍ. كنا في البداية 400 مقاتلٍ من فصائل مختلفة، وكان تأمين الطعام والماء في هذا المكان شبه المحاصر من داعش والنظام أمراً بالغ الصعوبة، والحمد لله تغيّرت الأحوال اليوم إلى الأفضل. وللأمانة ساعدتنا جبهة الأصالة والتنمية في هذه المحنة.

 

هل ما زلت منتمياً إلى الأصالة والتنمية؟

لقد افترقت رؤانا وسأترك الجبهة –الأصالة والتنمية- في وقتٍ قريب، وأعلن ذلك في بيان، ولن أنسى أن أشكرهم على كلّ ما قدّموه لنا.

 

ما زلتم 400 مقاتل؟

لا، نحن 200 وأكثر من أبناء دير الزور، والتحق بنا 150 من أبناء المنطقة، لكن نصف من كان معنا من الديريين فضلوا المغادرة إلى إدلب وحلب وتركيا وبعضهم هاجر إلى أوربا.

 

يتوزّع أبناء دير الزور الذين يحملون السلاح الآن على فصائل وتشكيلاتٍ في مناطق مختلفة؛ ما هي موانع تشكيل جسمٍ عسكريٍّ واحدٍ يضمّ كلّ هؤلاء؟

نوازع القيادة لدى بعضنا والمشاريع الخاصّة للبعض الآخر. والأهم من هذا تعدّد الاطراف الداعمة وتحكمها في هذه المجموعات هو السبب الرئيسيّ في فرقتنا. يجب أن نتوافق على مشروعٍ واحدٍ يضمنا جميعاً، ولدينا الآن مبادرةٌ أو مشروعٌ في هذا الخصوص نتمنى أن ينجح.

 

ما هو هذا المشروع؟

جيش "أسود الشرقية" الذي طرحناه على معظم القادة والشخصيات العسكرية من أبناء دير الزور. وتصوّرنا له أن يكون جسماً منظماً ومنضبطاً ينصهر الجميع فيه من خلال معسكراتٍ تذيب الفوارق والانتماءات السابقة، وتتجاوز العشائرية والمناطقية. لن نقبل أيّ انضمامٍ جماعيٍّ لكتلةٍ كاملةٍ تبقى كما هي، إنما يخضع الجميع لمعسكراتٍ تعيد دمجهم في كتلةٍ واحدة. ولدينا القدرة على ضمّ خمسة آلاف مقاتلٍ في هذا الجيش.

 

من سيموّل ويقدّم الذخيرة والسلاح؟

في وضعنا الحالي كـ"أسود الشرقية" نتلقى السلاح والذخيرة من الجبهة الجنوبية عبر غرفة الموك في الأردن. وهي على استعدادٍ لتوسيع دعمها لنا في حال نجح مشروعنا.

 

هل تثق بالدول العربية والغربية المشاركة في غرفة الموك، خاصّةً وأن بعضها يرعى ويموّل مشاريع عسكريةً قد تبدو منافسةً لمشروعكم؟

أنا أثق بأننا لو شكلنا جسماً كبيراً منظماً ومنضبطاً سنفرض أنفسنا على الدول المشاركة في الموك وغير الموك. تدعم هذه الدول بالفعل مشاريع متنافسة، لأنها لا تملك حلاً للأزمة إنما تحاول إدارتها عبر مساعدة الجميع. وعلينا ألا ننتظر الحلول من أحدٍ بل أن نأخذ زمام المبادرة.

 

هل أنت مستعدٌّ لأن تتخلى عن موقعك كقائدٍ لأسود الشرقية في حال تشكيل الجيش الواحد؟

نعم، أنا مستعدٌّ للتخلي عن أيّ منصبٍ لصالح هذا المشروع. وسأقاتل، مثل أيّ فردٍ، تحت قيادة أيّ شخصٍ يتمّ اختياره كقائدٍ لهذا الجيش.

 

في حال نجاح مشروعكم ما هي الأخطاء التي لن تقعوا فيها أو تكرّروها مرّةً أخرى؟

سنترك لأصحاب الخبرات والمؤهلات الحرّية في إدارة الشؤون المدنية، ولن نتدخل في ما لا يعنينا كمقاتلين، ولن نسمح بأيّ فوضى، بل سننشئ مؤسّساتٍ لا تعمل على هوى أشخاص. وأحبّ أن أذكّر أن مدينة العشارة، التي كان لواء بشائر النصر القوة العسكرية الأولى فيها، هي المدينة الوحيدة التي استمرّت المحكمة والمخفر في العمل فيها، للتسهيل على الناس في شؤون حياتها. وإلى أن دخلت داعش كان هناك أربعةٌ من عناصر الشرطة يداومون إلى المخفر، وكنا نساعدهم وندفع لهم الرواتب أحياناً.