شبح الحصار يُخيّم على مدينة حلب من جديد وناشطوها يسعون إلى محاربته بالتوحّد

تغيّراتٌ مفاجئةٌ في خريطة القوى، وانهياراتٌ سريعةٌ لدفاعات فصائل الثورة المقاتلة في ريف حلب الشماليّ أمام ضرباتٍ برّيةٍ وجوّيةٍ أدّت إلى خسارتهم أجزاء واسعةً من مناطق نفوذهم لحساب قوّات النظام وميليشياته الطائفية من جهة، ولحساب فصيل "جيش الثوار" التابع لتحالف "قوات سوريا الديمقراطية" المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية، من جهةٍ أخرى.

التطوّرات الميدانية التي شهدتها المحافظة خلال الشهر الأخير أعادت إلى نفوس سكان الأحياء المحرّرة من مدينة حلب تخوّفاتهم من شبح الحصار الذي أصبح أقرب من أيّ وقتٍ مضى. الأمر الذي دفع ناشطي المدينة، بمختلف مجالات عملهم، إلى سباق الزمن بهدف توحيد صفوفهم تحضيراً لأسوأ الاحتمالات التي قد تمرّ بها مدينتهم، وتأمين مخزونٍ احتياطيٍّ من المواد الغذائية والقمح والمحروقات يكفي السكان لأطول فترةٍ ممكنة.

"ثوّار حلب" كيانٌ ثوريٌّ موحّد

في 13 من الشهر الجاري أعلن معظم الناشطين في مختلف المجالات داخل المدينة عن تشكيل كيانٍ ثوريٍّ موحّدٍ يضمّ العاملين في أغلبية الكيانات والتجمّعات. وانتخب "ثوّار حلب" سبعة أشخاصٍ منهم كُلفوا بمهمة إعداد نظامٍ داخليٍّ للكيان الموحّد وهيكليةٍ إداريةٍ له. وقال الناشط عبد الحميد البكري، في تصريحٍ خاصٍّ لـ"عين المدينة": "ثوّار حلب هو تشكيلٌ يضمّ كافة ثوّار المدينة بصفاتهم الشخصية ودون مسمّياتٍ اعتبارية، بهدف جمع كلمة الثوار والعسكر والمدنيين في بوتقةٍ واحدة. إن المرحلة التي تمرّ بها حلب وريفها تفرض على الجميع تقديم التنازلات والتخلي عن المسمّيات في سبيل الحفاظ على الثورة التي لا يمكن أن تستمرّ إلا بتوحّد الجميع".

قوّةٌ مركزيةٌ موحّدة
وفي ذات السياق اتفقت الفصائل العسكرية العاملة في حلب وريفها على تشكيل قوّةٍ مركزيةٍ موحّدةٍ تضمّ معظم الفصائل التي قدّمت "البيعة" لقائد حركة أحرار الشام الإسلامية السابق، المهندس هاشم الشيخ (أبو جابر)، على أن يكون قائدها في القتال دون أن تتخلى عن مسمّياتها وراياتها.

وأكد الناطق الرسميّ باسم حركة "نور الدين الزنكيّ"، إحدى الفصائل المشاركة في هذه القوّة، في تصريحٍ خاصٍّ لـ"عين المدينة"، أن تشكيل القوّة المركزية يأتي كخطوةٍ أولى نحو التوحّد الذي تقتضيه المرحلة الحرجة التي تمرّ بها حلب وريفها الشمالي. وأضاف النقيب عبد السلام عبد الرزاق: "تهدف خطتنا الآن إلى توجيه ضرباتٍ قويةٍ ومركّزةٍ ومفاجئةٍ لقوات النظام وميليشياته في كلّ مكان. ستسمعون قريباً إن شاء الله أخباراً جيدة، وستثبت الأيام القليلة القادمة ذلك". وتابع عبد الرزاق: "نحن، في حركة نور الدين الزنكي، نرحب وندعم أيّ جهدٍ يصبّ في مصلحة الثورة السورية ويؤدّي إلى انعكاساتٍ جيدةٍ على الأرض. ونرى أن خطوة تشكيل القوة المركزية بقيادة الأخ أبو جابر هي أولى الخطوات في طريق وحدة الصفّ، طالما أن هدفنا جميعاً هو إسقاط النظام المجرم وكفّ يده عن الشعب السوريّ الذي يغرق منذ سنين في دماء أبنائه التي يشارك في سفكها كلّ مجرمي العالم".

غرفة إدارة أزمة
بدوره أنشأ "مجلس مدينة حلب الحرة" غرفةً خاصّةً لإدارة الأزمة ضمّت عدداً من الناشطين الفاعلين والفصائل العسكرية والهيئات القضائية وشرطة حلب الحرّة، بهدف ترشيد الاستهلاك وحماية المواطنين من الابتزاز ومنع الاحتكار.

وقال رئيس المجلس المحليّ لمدينة حلب، المهندس بريتا حاجي حسن، في تصريحٍ لمراسل "عين المدينة"، إن المجلس والشرطة السورية الحرّة والمحكمة الشرعية اتفقوا على عدّة قراراتٍ صارمةٍ بهدف المحافظة على مخزون المدينة من المواد الغذائية والمحروقات لضمان توافرها في الأسواق بالسعر الطبيعيّ، وتوعّدوا كلّ مخالفٍ لتلك القرارات بالمساءلة القانونية وفرض عقوباتٍ على من تسوّل له نفسه المتاجرة بمحنة الحلبيين". وأشار حاجي حسن إلى أن المجلس بدأ مؤخراً بتيسير دوريات مراقبةٍ تموينيةٍ مشتركةٍ، بالتعاون مع الشرطة السورية الحرّة، بهدف ضبط أسعار المواد الغذائية في الأسواق ومراقبتها وملاحقة المحتكرين والمخالفين وفق آلية عملٍ أعدّها المجلس بالتعاون مع اختصاصيين.

وتابع رئيس المجلس: "كما قمنا بنقل كافة محتويات مستودعات القمح التي قدّمتها لنا وحدة تنسيق الدعم من ريف حلب الغربيّ إلى داخل مدينة حلب، وذلك لضمان استمرار عمل الأفران في حال وقع الحصار لا قدّر الله. وعملنا على شراء كميةٍ من مادة المازوت بكلّ ميزانية المجلس، إلا أن ما اشتريناه لن يكفي طويلاً، فحاجتنا الشهرية تصل إلى 872000 ليترٍ لتشغيل آليات المشافي وآليات الدفاع المدنيّ والإسعاف والأفران. كما أن الأفران تستهلك يومياً 140 طناً من الطحين لتأمين الخبز لقرابة 400 ألف نسمةٍ موجودين في حلب حتى الآن".