قبل أيّام ظهر على شاشة الفضائيّة السّوريّة التابعة للنّظام، القائد الميداني لمقاتلي الشّيعة من بلدة حطلة -قرب مدينة دير الزّور وشمالها- طارق ياسين المعيوف. وجّه في ظهوره هذا نداءً لأبناء العشائر بالعودة إلى «حضن الوطن»، وتعهّد بضمانات من جانبه للعائدين لدى الجهات الأمنيّة حسب ما قال. 

ينبّه ظهور طارق وهو ابن ياسين المعيوف أحد أهم ناشري التشيّع بدير الزّور في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، إلى النّفوذ المتصاعد الذي يحظى به قادة الميليشيات التّابعة لإيران من السّوريين، ويلمّح إلى الدّور الذي سيلعبه هؤلاء، بين المجتمعات الأوسع التي ينتمون إليها وأجهزة الّنظام.

يُقدّرعدد المقاتلين من متشيّعي حطلة اليوم، بنحو (300) مقاتل، لم يكن لهم حتّى ربيع العام الجاري تشكيل خاص، بل كانوا يتوزّعون على أفواج ضمن ما يعرف بـ«كتائب حزب الله في سوريا» أحد الأذرع السّورية لحزب الله اللبناني.

لكن ومع بدء العملية العسكرية لقوّات النّظام وحلفائها في شهري آب وأيلول الفائتين، نحو محافظة دير الزّور،انطلاقاً -في واحد من محوريها- من مدينة تدمر فالسّخنة، شارك معظم مقاتلو شيعة حطلة بهذه العمليّة. في حين كانت مجموعات منهم تقاتل في عمق البادية باتّجاه محطّة (T3) ثم محطّة (T2) فالبوكمال. وعندما تمدّدت سيطرة قوات النّظام  في ريف دير الزّور الشرقي القريب من المطار العسكريّ، كان (200) مقاتل تقريباً منهم ضمن عديد القوّات التي عبرت نهر الفرات إلى ضفّته اليسرى (جزيرة) ثم تقدّمت صوب مرّاط فحطلة. وفيها اتّخذوا مقرّات، رُفعت عليها أعلام ولافتات لم تكشف عن جسم أو تشكيل خاصّ بهم إنّما عن شعارات من نوع «لبّيك يا حطلة» و«حسينيّون» وغيرهما. و نسبت النّعوات لمن سقط من شيعة حطلة المشاركين في معارك البادية والبوكمال، القتلى منهم إلى ما سمّته «الفوج الخامس- كتائب حزب الله» (ضمّ مقاتلين عراقيين أيضاً). وإلى جانب كتائب حزب الله، شكّل كلّ من حزب الله اللبناني، وحركة النّجباء، ولواء فاطميّون، قوام الكتلة التّابعة لإيران ضمن القوّات المشاركة بالعمليّة العسكريّة الكبيرة في محافظة دير الزّور. تعمل هذه الكتلة تحت إشراف مباشر من وحدات صغيرة وقياديّة على الأرض من الحرس الثوريّ.  

يصعب التكهّن بالمستقبل الحركي والتّنظيمي للمقاتلين الشّيعة من بلدة حطلة، ويبدو أنّ النّظر إلى تاريخ نشوء ظاهرتهم وتطوّرها منذ اندلاع الثّورة حتّى الآن، قد يساهم في تقديم لمحة عن هذا المستقبل.

بُعيد اندلاع الثّورة، تشكّل رأي عام رافض لها لدى أغلبيّة من شيعة حطلة، تطوّر الرفض تدريجيّاً إلى مشاركة فعّالة بالمسيرات المؤيّدة للنّظام، وبكتابة التقارير لأفرع الأمن والخروج مع حملاتها أحياناً في حملات القمع والاعتقال. ونشأت ظاهرة اقتنائهم للسّلاح، بتسليم مباشر من أجهزة المخابرات، أبو بالشّراء من التّجار بالأموال التي كانت تصلهم من مموّلين شيعة في الكويت. 

في صيف العام 2012 عندما سيطر الجيش الحر على ريف دير الزّور ومعظم أحياء المدينة. ظلّ معظم الشّيعة من أهل حطلة يتابعون حياتهم بشكل طبيعي. ولم تسجّل ولمدّة عام كامل تقريباً أيّ تعدّيات من جانب الحر عليهم. بالرّغم من مواصلتهم العلاقة سرّاً بمخابرات النّظام حسب تأكيدات من أبناء البلدة.

في حزيران من العام 2013 تطوّر شجار كلامي بين عناصر من الجيش الحرّ  وبعض شبّانهم إلى اشتباك مسلّح،  لم يلبث أن اتّسع إلى معركة دامية، كانت حصيلتها (17 قتيلاً من شيعة حطلة-40 قتيلاً من الجيش الحر)، وإجلائهم أو نزوحهم من البلدة نحو منطقة سيطرة النّظام في مدينة دير الزّور ومنذ ذلك التّاريخ المزامن لتوسّع الدّور الإيراني في الصّراع السّوري، بدأت ظاهرة التّجنيد كمقاتلين متفرّغين تظهر على نطاق واسع في أوساطهم. أخذت في البداية شكل مجموعات بلا اسم تقاتل إلى جانب قوّات النّظام في المطار العسكري، ثم تطوّرت مع وصول معظمهم إلى منطقة السيّدة زينب بريف دمشق إلى انتساب للميليشيات الشّيعيّة  النّامية هي الأخرى ومتغيّرة الأسماء آنذاك.

وبفرض أنّ التّقديرات التي يسوّقها أبناء حطلة عن العدد الكلّي لمعتنقي المذهب الشّيعي فيها قريبة من الحقيقة (3-4آلاف شخص)، تصبح نسبة المنخرطين في القتال من الذّكور (20%) وباستبعاد الأطفال الشيوخ ترتفع نسبة المقاتلين  في شريحة  الرّجال والشّبّان بين سن (18-45) عاماً إلى (40-50)%. تدلّ هذه النّسبة المرتفعة على الخيارات التي اختارها شيعة حطلة وعلى شدّة الارتباط والانتماء إلى المشروع الإيراني في محافظة دير الزّور.