جولةٌ في مخيّمات الداخل

مخيم أطمة - عدسة Richard Harvey

شام العز، المجد، النصر، شام الجهاد، الكرامة، الإباء؛ لم تكن هذه الأسماء الرصينة، التي أطلقت على مخيمات النازحين في ريف إدلب، كفيلةً بالتصدّي لمعاناة ساكنيها. إذ لا تزال الكثير من المنظمات الإغاثية عاجزةً عن تلبية المتطلبات الأساسية لتلك المخيمات، رغم تقديمها لما تيسّر ممّا يجود به المانحون وبرنامج الغذاء العالميّ WFP .

إذ يحيط بقرية أطمة الحدودية وحدها ما يزيد عن 15 مخيماً، يضمّ الواحد منها ما لا يقلّ عن 3000 نازح، فيما قد يصل تعداد قاطني بعض هذه المخيمات إلى أكثر من 15 ألفاً.

تجارة المواد الإغاثية

نتيجة نقص الاحتياجات المعيشية؛ استطاع أهالي المخيّمات إيجاد طريقةٍ لتعويض ما يلزمهم من الموادّ التي لا تستطيع المنظمات الإغاثية تقديمها. فأبو أحمد من كفرزيتا، أحد ساكني مخيم الكرامة بأطمة شمال إدلب، يبيع ما يزيد على حاجته من المواد التي توزّع عليهم، كالبطانيات أو بعض الحصص الغذائية، في أسواقٍ شعبيةٍ توجد في الريفين الشماليّ لإدلب والشماليّ الغربيّ لحلب، تسمّى البازارات. إذ يقام بازار سرمدا يوم السبت، وفي يوم الأحد يتوجه الناس إلى بازار الأتارب، أما يوم الاثنين فيقصد أبو أحمد بازار الدانا ليبيع مواد الإغاثة ويشتري بثمنها الخضار والوقود بشكلٍ رئيسيّ.
ويبدي حازم، وهو أحد أصحاب بسطات هذه المواد، ارتياحه لإقبال الناس على بضاعته، معللاً ذلك بفارق أسعار المواد التي يبيعها وبين ما هو متوافرٌ في الأسواق؛ فليتر الزيت لديه بـ 235 ليرةً، بينما يصل سعره إلى 330 ليرةً في المحلات "العادية"، ويبيع حازم كيلو الرز بـ90 ليرةً، في حين أنه سعره 150 ليرةً في السوق. ولم يعد بيع المواد الإغاثية يقتصر على المفرّق، بل تعدّاه إلى بيعها بالجملة لتجّارٍ قادمين من مناطق بعيدةٍ أخرى. فأبو محمد، أحد تجار المواد الإغاثية في الدانا، يخزّن بضاعته في مستودعاتٍ كان يستعملها سابقاً لتخزين الأعلاف، ولديه في كلّ مخيم من يتسوّق له الموادّ من الأهالي، ليبيعها بالجملة للتجّار الوافدين من دير الزور والرقة وحماة. ففي محافظتي دير الزور والرقة ازداد الطلب على هذه البضائع بعد سوء الأحوال الاقتصادية، كما أسهم منع تنظيم الدولة للجمعيات الإغاثية من العمل في أن تلقى هذه البضائع رواجاً واسعاً.
وهكذا، نمت تجارةٌ جديدةٌ في هذه البازارات، تعتمد على مواد الإغاثة غالباً، يقوم بها تجارٌ يشترون بضائعهم من النازحين ويخزّنونها في مستودعاتٍ في قريتي سرمدا والدانا، ليبيعوها إلى باعة البسطات الذين تتنقل بضائعهم على مدار الأسبوع بين البازارات. ويشكل نازحو ريف إدلب غالبية زبائن البسطات. كما دفع ازدهار هذه التجارة بعض أصحاب المستودعات إلى إنشاء ورشاتٍ خاصّةٍ لإعادة تغليف مواد الإغاثة، ووضع أسماءٍ تجاريةٍ جديدةٍ عليها، لبيعها لمنظمات الإغاثة مرّةً أخرى، أو إعادة طرحها في الأسواق.

من حكايا المخيّم

لدى تجوّلنا في سوق أحد المخيمات قرب بلدة أطمة؛ مدّ أبو ماهر، العجوز الستينيّ، عكازه من أمامه واقترب بخطواته المثقلة منّا متسائلاً إن كنّا من دير الزور، بعد أن لفتت لهجتنا انتباهه. ثم أردف مستفهماً عن موعد عودتنا إلى الديــــــر، وإن كان بمقدرونا اصطحابه ليزور ابنته الوحيدة التي لم يرها منذ أربع سنواتٍ لأنها تقيم وزوجها في إحدى قرى الريف الشرقيّ لدير الزور. ليس الطريق وحده ما يثير قلق أبو ماهر، ولكن أيضاً ما يصل إلى مسامعه من أخبارٍ عن تنظيم الدولة وممارساته، ما جعله ينتظر بعض القادمين من أهالي المنطقة الشرقية ليرافقهم في رحلتهم.
دعانا إلى خيمته بعد أنّ وعدناه بالمساعدة. في الخيمة الصغيرة يرقد العجوز بعد نوبة الربو التي ألزمته الفراش. كانت كلماته تخرج بصعوبةٍ من خلف الكمّامة الموصولة على أسطوانة الأوكسجين: "خرجنا من اللطامنة منذ أربعة أشهر، بعد قصف منزلنا واستشهاد زوجتي. ومنذ ذلك الحين ونحن في المخيّم. أتجوّل في السوق علّي ألقى أحداً من تجار المنطقة الشرقية ليوصلني إلى ابنتي، لكنّي لم أحصد سوى الوعود...".
عرقل المرض رحلة أبو ماهر. وبعد أن تعافى، حالَ تقدّم جيش النظام والميليشيات الإيرانيـــــة في ريف حلب الشــــــماليّ دون إكمال رحلته، إلا أنه يصرّ على السفر بعد فتح الطريق...