بتمويل الأمم المتحدة.. جمعية إعمار الخيرية تنفذ مشروعاً وهمياً في مدينة دير الزور

أحد الجسور المدمرة في مدينة دير الزور | AFP

في مدينة دير الزور، مولت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) مشروعاً لجمعية إعمار الخيرية التي يترأس مجلس إدارتها المهندس ماهر نويصر لترميم وإعادة تأهيل (300) منزلاً في حي الجبيلة المدمر وسط المدينة. ومن دون أي مناقصة معلنة كما يقتضي الحال في المشاريع العامة، كلفت الجمعية شركة إنشاءات عقارية يملكها النويصر نفسه بتنفيذ هذا المشروع.

يقول مصدر مقرب من الجمعية لعين المدينة أن قيمة التمويل من المنظمة الدولية تزيد على (350) ألف دولار أمريكي، وأن رئيس الجمعية ماهر نويصر قد أعد خطة بسيطة ومحكمة وفّر فيها قيمة الرشوة المعتادة لأجهزة المخابرات بأن جعلها من أصل أعمال المشروع. وتتمثل الخطة بأن يحدد رئيس كل جهاز أمني من الأجهزة الأربع (المخابرات العسكرية والمخابرات الجوية والأمن السياسي وأمن الدولة) (25) منزلاً في حي الجبيلة ترمم ويعاد تأهيلها كجزء من المنازل المستهدفة. فيما ضُخّمتْ نسب الأضرار في أعمال المسح الموجهة للمنازل المئتين المتبقية لتكون الحصيلة أعمال تأهيل وترميم وهمية، تحقق فيها شركة النويصر أرباح تصل إلى أكثر من (250) ألف دولار، تحسم منها رشى متفرقة لموظفي ومشرفي (UNHCR)، لا سيما منهم موظف كبير يتحدر من مدينة مصياف واسمه سامر سليمان.

قبل البدء بالمشروع وزعت جمعية إعمار ملصقات ورقية تعلن فيها فتح باب التسجيل لتقديم طلبات الترميم أمام أصحاب المنازل المتضررة في حي الجبيلة، واشترطت الجمعية على أصحاب المنازل المتقدمين بطلباتهم أن يقوموا بتنظيفها وإزالة الركام منها لتُجري لجنة المسح التابعة للجمعية الكشف اللازم على كل منزل.

يقول موسى (اسم وهمي) وهو صاحب منزل متضرر في حي الجبيلة يسكن اليوم في منزل مستأجر في حي الجورة لعين المدينة، أنه استدان (200) ألف ليرة، دفعها لورشة تنظيف أزالت الركام من منزله تنفيذاً لشرط الجمعية، وأنه انتظر لجنة الكشف أسابيع عدة من دون فائدة، قبل أن يُبلّغ بأن منزله خارج قائمة المنازل المستفيدة من المشروع. 

ويبدو جميل (اسم وهمي) أفضل حالاً، حيث زارت اللجنة منزله وسجلت الأعمال المطلوبة، وهي "تركيب 7 أبواب، 4 شبابيك، تمديدات كهرباء، دهان، سد فتحات بالحيطان الخارجية". لاحقاً -يضيف جميل- "لما اجت الورشة ركبو لي الباب الخارجي وشباكين عالشارع، ومددو شريط كهربا كان مبيوق من العامود عالساعة.. وبس، وقبل ما يبلشون شغل وقعوني على ورقة أنه تنفذت كل الصيانة المطلوبة بالبيت". 

بدأت رحلة ماهر نويصر مع الفساد منذ تخرجه في العام 1995 من كلية الهندسة المدنية بجامعة حلب، إذ عُيّن في مديرية الخدمات الفنية وعمل مهندساً مشرفاً على مشاريعها، ما أتاح له باب إثراء سريع عبر الرشاوى التي كان يتقاضاها من المقاولين المنفذين لهذه المشاريع، وقبل أن يعين مديراً لقسم الأبنية في مديرية الخدمات، إلى أن تقدم باستقالته ليشغّل ما حصّله في التعهدات العامة، وفاز بمقاولات ضخمة في قطاع البناء.
في نهاية العام 2011، وبالرغم من أن معدله الجامعي لا يؤهله لإكمال الدراسات العليا، تمكن النويصر من جلب شهادة دكتوراة في الهندسة المدنية من "الجامعة الأمريكية المصرية"، وهي جامعة وهمية ليس لها أي كادر تدريسي فعلي ولا طلاب -سوى أمثال النويصر- أغلقت بعد افتضاح أمرها.
بعد اندلاع الثورة وقف النويصر إلى جانب النظام، وظل على موقفه بالرغم من استشهاد أحد أشقائه بقصف جوي على حي الحميدية، وإصابة شقيق آخر إصابة خطرة أفقدته قدميه

تقول (م) وهي سيدة خمسينية أنها فشلت بإقناع الجمعية بترميم منزلها بالرغم من افتقادها لأي مورد أو معيل، "رفضوني وأنا أرملة ومالي أحد، وراحوا رمموا ثلاث بيوت فوق بعض لثلاث أخوة، لأن أخوهم -واسمه خالد- متطوع بالأمن العسكري"

من بين (300) منزل المحددة وفق المشروع، رممت (100) منزل بالفعل هي حصة المخابرات، ومن المنازل الباقية انتهت الأعمال الوهمية في (170) منزلاً وبقيت (30)، يقول المصدر المقرب من الجمعية. ويؤكد أن "عملية النصب" لم تقف عند هذا الحد، بل امتدت لتطال حتى عمال ومعلمي مهن تعاقدت معهم شركة النويصر للعمل بهذا المشروع ولم تدفع لهم حتى الآن مستحقاتهم.

تغذي الأموال التي تقدمها منظمات دولية وهيئات تابعة للأمم المتحدة  لتنفيذ مشاريع إنسانية، شبكة فساد أمنية محلية، يعد ماهر نويصر أحد أبرز وجوهها اليوم في مدينة دير الزور.