الواقع الطبيّ في مدينة حلب المحرّرة

يعاني العاملون في الحقل الطبيّ في الأحياء المحرّرة من مدينة حلب وفي أريافها من العديد من الصعوبات التي تُعيق عملهم وتمنع الكثيرين منهم من ممارسة مهنتهم الإنسانية كما يجب. وقد يكون نقص الفرق الطبية والمختصّة من أبرز الصعوبات التي يواجهونها، إلى جانب صعوباتٍ أخرى كنقص المعدّات والمواد الطبية الأساسية، والاستهداف المتكرّر من نظام الأسد وحليفه الروسيّ للمشافي والمنشآت الطبية.

ولم يكن استهداف مشفى «القدس» بغارةٍ جويةٍ قبل حوالي شهرين، والذي راح ضحيته طبيب الأطفال الوحيد في مدينة النصف مليون نسمة، هو الوحيد؛ فقد تبعت ذلك غاراتٌ عديدةٌ استهدفت مستشفياتٍ ومراكز طبيةٍ أخرى، كان آخرها استهداف مشفى «عمر بن عبد العزيز»، في حيّ «المعادي»، بغارةٍ جويةٍ أجبرت القائمين عليه على تعليق العمل فيه وإعلانه خارج الخدمة.

ثلاثة أطباء لكلّ اختصاصٍ يومياً في حلب
يبلغ عدد أطباء الجراحة العامة في كافة المشافي داخل الأحياء المحرّرة من مدينة حلب سبعة أطباء، يتناوبون على تغطية كافة العمليات الجراحية والحالات الإسعافية التي تردهم، في حين يبلغ عدد أطباء الجراحة العظمية خمسةً يتناوبون أيضاً على العمل وتغطية العمليات، بينما يبلغ عدد أطباء الجراحة البولية أربعة، وجرّاح عصبيةٍ واحد، في حين لا يوجد أيّ جرّاح وعائيةٍ ولا جرّاح تجميل، وذلك حسب مسحٍ ميدانيٍّ أعدّته «عين المدينة».

واعتبر الدكتور ياسر أبو خميس، وهو طبيب جراحةٍ عامةٍ في أحد المشافي الميدانية بحلب، أن أصعب ما يواجه الأطباء العاملين في المدينة حالياً هو عبور طريق «الكاستيلو»، مُشيراً إلى أن عبور هذا الطريق أصبح الهاجس الوحيد الذي يؤرّق جميع من يقصد دخول حلب أو الخروج منها، نظراً للاستهداف المتكرّر الذي يتعرّض له من الطيران الحربيّ.


امنحونا إجازاتكم
ووجّه أبو خميس، خلال كلامه لـ«عين المدينة»، رسالةً إلى الأطباء السوريين في دول المهجر كافة، سواء في الخليج أو أوروبا، طالبهم فيها بأن يمنحوا إجازاتهم السنوية لأبناء بلدهم، وذلك بالسفر إلى سورية والعمل في المشافي الميدانية لمدّة شهرٍ أو حتى أسبوع، لتخفيف الضغط عن زملائهم الذين يعملون داخل البلاد.
بدوره قال الدكتور عبد السلام في تصريحٍ لـ«عين المدينة»، وهو اختصاصيّ جراحةٍ بوليةٍ يعمل في مشافي حلب الميدانية منذ بداية الثورة: «يوجد الآن في المناطق المحرّرة من مدينة حلب قرابة 7 مشافٍ تقدّم الخدمات الطبية والجراحية بشكلٍ مجانيٍّ لسكان المدينة، إلا أن جميع هذه المشافي لا يوجد فيها طبيب تخديرٍ واحدٌ بشكلٍ دائم، الأمر الذي دفعنا إلى الاستعانة بفنيي التخدير».
وأضاف الدكتور عبد السلام: «حتى الفنيين الذين يعملون الآن في التخدير والأشعة والتمريض معظمهم لا يحمل شهادةً بهذه الاختصاصات، وإنما اكتسبوا خبراتهم خلال العمل. فمنهم طالب الحقوق ومنهم خريج أدب عربي، وبعضهم لا يحمل شهادة الثانوية العامة». عازياً هذا الحال إلى «غياب ذوي الخبرة والاختصاص، وهجرتهم إلى دول اللجوء أو إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد. حتى أننا بدأنا مؤخراً نفقد بعض الذين عملوا معنا في المشافي الميدانية، بعدما نفد صبرهم وقدرتهم على الاستمرار في ظلّ القصف والمجازر اليومية قاصدين تركيا أو أوروبا».


غياب الفنيين له دور
وتحتاج الأجهزة الطبية وعربات الإسعاف ومولدات الكهرباء التي تخدم المشافي الميدانية إلى عمليات صيانةٍ دوريةٍ ورعايةٍ خاصّةٍ يقوم بها فنيون وأصحاب خبرة، إلا أن غياب هؤلاء المختصّين زاد من الصعوبات التي يفرضها واقع الحال على العاملين في الحقل الطبيّ.
وقال الدكتور عبد العزيز، وهو مدير أحد المشافي الميدانية في حلب: «كثيراً ما نضطرّ إلى تحويل العديد من الحالات الطبية إلى مشافٍ أخرى خارج المدينة، وحتى إلى تركيا، بسبب تعطل أحد أجهزة التصوير أو الأجهزة الطبية الأخرى التي تستخدم في عملنا. وتبقى هذه الأجهزة خارج الخدمة لمدّةٍ طويلةٍ بسبب عدم وجود الفنيّ القادر على صيانتها، علماً أنه كثيراً ما نكتشف -بعد مدّةٍ طويلةٍ- أن العطل بسيطٌ جداً».
وأضاف الدكتور عبد العزيز، في تصريحٍ لمراسل «عين المدينة»: «هناك مشكلةٌ أخرى كثيراً ما نعاني منها، وهي صيانة عربات الإسعاف التي تتعرّض لأعطالٍ كثيرةٍ نتيجة سوء الطرقات وسوء المحروقات التي تباع في المناطق المحرّرة وتعرّض بعضها للقصف، وذلك بسبب عدم توافر قطع التبديل وعدم وجود الفنيين القادرين على صيانتها وإعادتها إلى الخدمة».