الغوطة ليست مذبحة فحسب

متداولة على الانترنت

مئات الشهداء، آلاف الجرحى، 400 ألف محاصر، موتٌ بكل صروفه، قتلاً بالقذائف والصواريخ والبراميل. حرقاً بقنابل النابالم. سحقاً تحت أنقاض البيوت. دفناً في ملاجئ بدائية حُفرت تحت الأرض للنجاة، ولا تُجدي أمناً ولا تدرأ قنابل الأعماق والقنابل الارتجاجية. خنقاً بالكلورين السام والأسلحة الكيماوية. جوعاً تحت حصار بات صفة لصيقة لاسم المكان والبشر. نزفاً حتى الموت من جراح لا يجد الأطباء والمسعفون ما يضمدونها به، بل وحسرة وكمداً أمام جثة طفل لُفّت ببقايا خيش الأمم المتحدة كفناً، ولا يجد الأب والأم دقائق من الهدوء لدفنها إلا في قلب توقف عن النبض، بعد أن ثار على حياة صغيرة باردة مسجاة أمامه، بانتظار عبثي لآٌخر إكرامٍ تَحُول الطائرات بينها وبينه.

الغوطة ليست مذبحة ساخنة في آن متفجر يتصدر عناوين الأخبار، ويُثير شهوات الاستباق الصحفي وسرد الإحصاءات وتراشق الأكاذيب، الغوطة استلابٌ معلن وفجائعي للحياة في صورتها البشرية، وانحطاطٌ ممضّ لكل قيمة حق وعدالة بنى البشر عليها تمايزهم عن بدائيات الخلق. قتلٌ يحدث تحت مسميات رنانة من رطانات الشجب والتنديد البائسة، والمرقّمة بقرارات أممية لا تقارب في واقعية دلالاتها، سوى مؤشر الموت المتصاعد مع كل غارة.

والغوطة انتقال المذبحة إلى إبادة في الضمير، لمن يلوكون ذرائع ولائهم للسفاح وحلفائه. وعنفٌ يكفّر كلّ فكرة أو سؤال عن جدوى هذا الهوس القاتل. وهي في كونها ذروة جديدة لانكشاف مستوى انشطار المجتمع السوري، تتحول إلى مؤشر ذي دلالة عميقة عن مستوى وعمق انهزام نظام بشار الأسد ورعاته، أمام أطفال ما ترك نوعاً من القتل إلاّ وجربّه عليهم، لكنه مذعور منهم حتى في داخل حصارهم.

في هذا المخبر العالمي، تستعرض روسيا مظهر الدولة الكبرى الوحيد الذي مازالت تملكه، لتلقي بثِقلها العسكري مجدداً في جبهة آمنة، وهي تلوّح بتكرار سيناريو حلب الذي قالت بعده إن الأمور دانت لحليفها الأسد، لتكتشف أن ما حدث في حلب كان خطوة في طريق بلانهاية حوّلها إلى قوة جوية عند إيران وحزب الله، داخل ورطة عسكرية. أياً تكن نتيجة الأوضاع الدامية في الغوطة فهي لن تجد فيها نهايتها المتوخاة.

في سوق نخاسة القيم الإنسانية الذي أقامه محور الإبادة على أشلاء المدنيين، لا تعدو المفاخر العسكرية كونها تفسيراً أعوج لهزيمة الأسد التي قامت في الغوطة منذ سبع سنوات، أو شرحاً مزيفاً لخزعبلات «النمر» الذي يُراد جعله أيقونة للانتصار على العزّل.

لكنها، قبل هذا وذاك، قمة جديدة لفشل المجتمع الدولي في إدراك حجم الكارثة التي يقوده محور الأسد وإيران وروسيا إليها، تحت غمامة الأسلحة الكيماوية واليأس الانتقامي.