بخلاف الجولة السابقة من الخلاف السعودي-القطري، في العام 2014، التي انتهت إلى تسوية سريعة، لا يبدو الصراع الحالي قابلاً لتدوير الزوايا بسهولة.

لقد تجاوز الأمر، على ما يبدو، مطالبة المحور السعودي-الإماراتي-المصري لقطر بـ«تغيير سلوكها» إلى استعداده للذهاب بعيداً حتى الإطاحة بالحكم القطري. هناك تكهنات، لم تتأكد صحتها، عن إعداد السعودية لبديل عن الأمير تميم، من العائلة الحاكمة نفسها.

لا يمكن عزل اندلاع الأزمة الحالية عن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض. يبدو أن تلك الزيارة لم تقتصر على صفقة السلاح الضخمة التي حصل عليها ترامب «لخلق آلاف فرص العمل في الولايات المتحدة» كما قال، ولا على إنشاء تحالف أميركي-إقليمي لمواجهة الإرهاب وإيران، بل أعطى إشارة البدء أيضاً لإنهاء «النشاز القطري» في المنظومة الخليجية والصراعات الإقليمية. يبقى أن إسرائيل انتعشت بدورها من زيارة ترامب وما انطوت عليه من توجهات جديدة، فبات الحديث شائعاً عن استعدادات تجريها لشن حرب جديدة على قطاع غزة.

غير أن مؤشرات التطورات الحالية كانت قد ظهرت قبيل قمم الرياض الترامبية بفترة، منها مثلاً إصدار حركة حماس (الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين) وثيقتها الجديدة التي قطعت فيها ضمناً مع الإطار الإخواني العالمي، ومنها تلمس إخوان سوريا، منذ بعض الوقت، على رؤوسهم وبحثهم عن شركاء وطنيين يحتمون بهم من الموجة العاتية القادمة مع إدارة ترامب الذي سبق وأعلن عزمه على إدراج الحركة ضمن قوائم الإرهاب.

تلاقى هذا الميل الترامبي المعادي لكل ما هو مسلم مع السياسات الإماراتية المتوجسة من كل ما يمت إلى الإسلام السياسي بصلة، وخاصة التيار الإخواني الذي انتعش إبان ثورات الربيع العربي، وتم ضربه بقسوة في مصر عبر الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي القابع في السجن إلى اليوم. وكان الصراع دائراً، بصمت، بين المحور الإماراتي-السعودي-المصري وقطر، في ليبيا بصورة خاصة. وإذ لم يتمكن المحور الأول من حسم الصراع لمصلحته هناك، قرر مواجهة دولة قطر مباشرةً من خلال عزلها والضغط عليها بهدف إخضاعها.

هل ينحصر الصراع بين الطرفين، إذاً، في موضوع الإخوان المسلمين والإسلام السياسي عموماً، أم أنه أوسع وأعمق من ذلك؟

من زاوية النظر السعودية، لعب خروج العائلة الحاكمة في قطر على الوصاية السعودية التقليدية، منذ استلام الأمير حمد مقاليد السلطة أواخر التسعينات، دوراً أساسياً في الخصومة الثابتة بين الطرفين، أججتها أكثر سياسة المناكفة القطرية لشقيقتها الكبرى، ولعبها أدواراً تتجاوز حجمها، بفضل الثروة الغازية والإعلام. فقد نسج الأمير حمد علاقات مع أطراف إقليمية متناقضة كإيران وإسرائيل وعراق صدام حسين وحزب الله اللبناني وحركة حماس، إضافة إلى علاقة مميزة مع الولايات المتحدة التي تملك قاعدة عسكرية ضخمة على الجزيرة الصغيرة. هذه الشبكة من العلاقات أهلت قطر للعب أدوار ديبلوماسية نشطة في كل مشكلات المنطقة، لتقبع السعودية -بكل إمكاناتها- في الظل، بسبب السياسة الحذرة الخائفة من كل شيء لعائلتها الحاكمة.  

أما دولة الإمارات، التي لعبت دور رأس الحربة في التصعيد ضد قطر، فربما تتجاوز في مخاوفها على «استقرارها الثري» السعوديةَ نفسها. وهكذا رأيناها تشارك بفعالية في الصراع الليبي الداخلي، كما في الحرب السعودية على الحوثيين في اليمن، ولعب ولي عهد أبو ظبي دور اللوبي المعادي لقطر في واشنطن.

لكن الأهم من كل هذه الاعتبارات هو الاستياء السعودي-الإماراتي من الحماسة القطرية في الدعم الصريح لثورات الربيع العربي، وبصورة خاصة على المستوى الإعلامي. وإذا كانت قطر قد راهنت على ربيع إخواني اللون في بلدان الثورات، وهو ما لعب دوراً سلبياً في الثورة السورية بصورة خاصة، فأنظمة الخليج التي أثارت الثورات الشعبية ذعرَها خوفاً على عروشها، عملت كل ما في وسعها لوأد فكرة الثورة وأداً نهائياً، بدءاً باستضافة السعودية للدكتاتور التونسي المخلوع، ووصولاً إلى دعم انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر، مروراً بإفساد أطر المعارضة السورية بالمال، واختراقها بمستزلمين لا يمثلون إلا أنفسهم، الأمر الذي فعلته قطر أيضاً. فكان هناك في الائتلاف المعارض، طوال الوقت، جماعة السعودية مقابل جماعة قطر.

قطر هي أولى ضحايا سياسة ترامب الإسلامية، وقد يكون قطاع غزة ضحيتها الثانية.