الأحياء "الآمنة" في حمص.. جدار فصلٍ طائفيٍّ وحملات تهجيرٍ ممنهجة

تصوير الناشط الإعلامي سليمان أبو ياسين

يكاد لا يمرّ يومٌ في أحياء حمص "الآمنة"، التي يقطنها من بقي من السكان الأصليين للمدينة وعائلاتٌ نازحة، إلا وتشهد خروج عائلةٍ هرباً من ممارسات ميليشيات الأسد الطائفية التي تصول وتجول في الشوارع وتقوم بعمليات دهمٍ وسطوٍ وخطفٍ واعتقالات، متمتعةً بصلاحياتٍ كاملة. حتى أصبح الأهالي يعيشون في جحيمٍ لا يطاق، في ظلّ أوضاعٍ معيشيةٍ متدهورةٍ وتضاعف أسعار المواد الغذائية وتفشي البطالة.

توزّع الفروع الأمنية
يحكم النظام قبضته على أهالي الأحياء الغربية من المدينة. تؤكد ذلك الناشطة نور الحمصي، عضو رابطة إعلاميّي الثورة في حمص، إذ تقول: "ما زالت القبضة الأمنية محكمةً في هذه الأحياء، وتضيق أكثر بازدياد عدد الدوريات الأمنية التي تتجوّل وتوقف بعض المارّة وتقوم بمضايقاتٍ واستفزازاتٍ تجاه شباب الحيّ، وتجنيد بعض ضعاف النفوس من المراهقين. وقد تمّ سحب العساكر من فئة الشباب، الذين كانوا موجودين على الحواجز، إلى جبهات إدلب ودرعا وحلب وتدمر، وحلّ محلّهم موظفون متقدّمون في السنّ".

وتشرح نور، وهي ما زالت تقطن في أحد تلك الأحياء، آلية توزيع النظام لمهامّ التشبيح والإجرام كما يلي: "كل حيٍّ مسؤولٌ عنه أقرب فرعٍ أمنيّ؛ فحيّ الإنشاءات من اختصاص الأمن السياسيّ، فيما يتولى فرع الأمن العسكريّ إحكام قبضته وحملات التضييق على أحياء كرم الشامي والميدان وحمص القديمة، أمّا فرع أمن الدولة فيسيطر على أحياء الحمراء والدبلان والغوطة وجورة الشياح". والملفت هنا أن ميليشيات النظام أغلقت المنافذ الرئيسية لبعض الأحياء بجدارٍ إسمنتيٍّ يمثل جدار فصلٍ طائفيٍّ، يتراوح ارتفاعه بين مترٍ و3 أمتار.

دهمٌ واعتقال
تواصل دوريات الأمن، مدعومةً بمجموعاتٍ من الشبّيحة، عمليات الدهم والاعتقال. تقول نور: "قبل سنةٍ كان الجيش يسيطر على كثيرٍ من البيوت ذات المواقع الإستراتيجية بالنسبة إلى الحيّ ويمنع أصحابها من الدخول إليها، وفي الآونة الأخيرة تمكنت بعض العائلات من استرجاع بيوتها. انخفضت وتيرة المداهمات بعد خروج الثوّار ومعظم الناشطين وتصفية واعتقال الكثير منهم، ولكن تبقى الجولات الأمنية والمداهمات إثر تبليغ مغرضٍ من الجواسيس في الحيّ. أما السطو المسلح فيحدث في كلّ مكانٍ من قبل موالي النظام، من عسكرين ومدنيين ومتطوّعين. وقد تركزت هذه العمليات مؤخراً على الأحياء القديمة بسبب غياب أصحابها".

يزداد الاحتقان الطائفي في الأحياء العلوية الموالية للأسد مع كلّ تفجيرٍ يحدث فيها، لتصبّ جام غضبها على الأهالي في الأحياء الآمنة. توضح نور: "يحدث احتقانٌ وحقدٌ ولكنهم لا يجرؤون على دخول أحيائنا.. انظروا إلى صفحاتهم عند كلّ تفجيرٍ في أحيائهم، يصبّون جام غضبهم بشكلٍ طائفيٍّ على من يسمّونهم "أهل السنّة"، ويتساءلون: "لماذا الأحياء المحتلة لا تحدث فيها عمليات تفجير؟". كما يصبّون جام غضبهم على حيّ الوعر، بالقصف وتشديد الحصار".

ترانسفير خفيّ
يتحدث كثيرٌ من الناشطين والأهالي النازحين أو اللاجئين ممن كانوا داخل أحياء حمص الآمنة عن عملياتٍ ممنهجةٍ يقوم بها النظام لتغيير ديموغرافيا المدينة وتهجير من بقي فيها. كما يؤكّد الجنديّ المنشقّ (بلال)، وهو من حيّ باب السباع، إذ يقول: "قبل أن تنزح أسرتي من هناك شاهدوا غرباء يتحدثون باللغة الأفغانية والفارسية قد احتلوا بعض المنازل المهجورة". وتؤكد نور عمليات التهجير، موضحةً أن "النظام ينفذ منهج تطفيش الأهالي بتحديد أعمار المطلوبين للاحتياط من سنّ 18 وحتى 41 سنة، وكذلك عبر نشر الحواجز الطيّارة المموّهة في أماكن غير متوقعة، تقوم بتوقيف المارّة عشوائياً وسوقهم إلى الجيش دون إخطار ذويهم أو إعلامهم بمكان وجود أولادهم".

وتؤكّد أن عمليات الخطف مستمرّة، ويعقبها طلب فديةٍ كبيرةٍ قد تصل إلى عشرات الملايين، "لذلك فإن شباب المدينة أمام أحد خيارين: إما المكوث في منازلهم والتواري عن الأنظار، أو التجوّل داخل الحيّ بحذرٍ بعيداً عن الحواجز العادية والطيّارة".

كما يعاني أهالي الأحياء الغربية في حمص من تفشي البطالة، فقد أصبح 50% من الشباب عاطلين عن العمل، مع ارتفاع مرعبٍ في أسعار المواد الغذائية وصل إلى 10 أضعافٍ مقارنةً بما كانت عليه قبل اندلاع الثورة. ولا يمكن للعائلة العيش دون مساعدة أحد أفرادها أو أقربائها أو أهل الخير ممن هم خارج البلاد، في حين تكاد السلل الغذائية التي تقدّمها الجمعيات الخيرية أن تنضب.