استوديوهات الصوت في إدلب.. مساحة للتجريب والشغف والعمل

الصور بعدسة الكاتب

خلال الفترة الأخيرة شهدت مهنة التسجيل الصوتي في محافظة إدلب ازدهاراً ملحوظاً، مع افتتاح استوديوهات احترافية عدة تحول بعضها إلى شركات إنتاج صوتي مصغرة أنتجت عشرات الأغنيات الثورية.

بدأت الاستديوهات بالظهور بشكل علني مع العام 2018، حين بدأ بإنشائها مهتمون بالتعليق الصوتي من الإعلاميين إضافة إلى مطربين ومنشدين وقراء، بينما عملت بالفترة الأخيرة بعض المنظمات والفصائل العسكرية على إنشاء استديوهات خاصة فيها، حتى وصل عدد استديوهات الصوت إلى 12 استوديو في المناطق المحررة، بعضها احترافية وبعضها بقدرات محدودة أو منزلية خاصة.

الحاجة والشغف دفعت علاء فطراوي لتكرار محاولاته لإنشاء استوديو صوت خاص به، رغم ضعف الإمكانيات في البدايات واعتماده على أدوات بدائية. من تحت اللحاف ومن داخل خزانة الملابس كان فطراوي في بداية مشواره يسجل صوته للتعليق على التقارير الصحفية.

يوضح أنه انخرط منذ بداية الثورة بالعمل الإعلامي، فعمل بالتقارير المصورة كمراسل لقناة دار الإيمان وشدا، ومقدم في إذاعة نسائم سوريا، وكان الصوت هو الأساس الذي تعتمد عليه مهنته الجديدة: "لم أكن في البداية أعلم أن الصوت بحاجة إلى تقنيات حتى يكون واضحاً ويخدم الصورة على أكمل وجه، كما لم تكن الملكة التي أمتلكها تؤهلني لتقديم صوت متميز، الخامة فقط موجودة" يقول فطراوي.

ويضيف: "بدأت مشوار التعلم عبر مواقع الإنترنت، والاشتراك بدورات لتنمية موهبتي بالصوت وإرضاء شغفي الكبير به".

صنع الفطراوي أول استوديو له في 2018 باستخدام كرتون صحون البيض الفارغة، فقام بتثبيتها على جدار غرفة لا تتجاوز مساحتها متراً مربعاً لتعطيه بعض العزل للصوت وتساعده على تقطيعه وعدم ارتداده.

ومؤخراً عمل الفطراوي الذي يعيش في قرية كفر دريان التابعة للدانا، على تحويل غرفة بمساحة ثلاثة أمتار مربعة في بيته إلى استوديو بمواصفات فنية، بعد أن عزلها تماماً باستخدام الإسفنج المضغوط وجهزها بأجهزة ومعدات باثة ولاقطة تساعد على إخراج الصوت النقي.

يقول الفطراوي الذي أطلق دورات عدة في الإلقاء الصوتي، أن ما يقدمه هي المهارات الأساسية ومدخل إلى عالم التعليق الصوتي، دون الخوض في أمور متقدمة.

لاقت هذه المهنة رواجاً كبيراً بين الشباب الذين أقبلوا على دورات التعليق، وبدأوا بنشر تجاربهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويتيح استوديو الفطراوي للناشطين والهواة التسجيل دون مقابل مادي "ما عملت عليه ما يزال يسمى استوديو منزلي، وهو خاص ليخدم مهنتي، لذلك لا أحتاج إلى أجور عن استخدامه" حسب توضيحه.

بينما عمل فهد الشامي منذ وصوله مهجراً من الغوطة الشرقية في 2018 على تأسيس استوديو في مدينة إدلب، حمل اسم "الغرباء" ثم تغير إلى استوديو "هارموني".

يمتلك الشامي خبرة بالتعامل مع تقنيات الصوت لعمله لسنوات عدة في الإنشاد والتلحين. ويوضح أن استوديو هارموني يعتبر ذو أداء متوسط من حيث التجهيزات والمعدات، وهو عبارة عن غرفة خشبية مجهزة بعوازل للصوت وميكرفونات وأجهزة تسجيل، وهو ما يعرف ب"الاستوديو المنزلي".

أنتج استوديو هارموني منذ تأسيسه قرابة 700 عمل صوتي يتوزع بين الإنشاد والتعليق الصوتي وأناشيد وقصص الأطفال والتوزيع الموسيقي.

ويعتمد الشامي على الاستوديو كمصدر دخل رئيسي، عبر الخدمات التي يقدمها مثل التسجيل للمنشدين والتعليق على تقارير وإعلانات لمنظمات محلية وشركات خاصة.

ويقول مصعب والي مدرب صوتي وصاحب استوديو "كرد" في مدينة إدلب، أن مجال التعليق الصوتي في الشمال المحرر تَطور العمل فيه على مدار السنوات، ووجود الاستوديوهات أصبح حاجة كبيرة، لا سيما مع تزايد عدد المقبلين على التدرب بهذا المجال.

حالة عدم الاستقرار وتعرض المحافظة لحملات عسكرية مستمرة، حالت دون أن ينشأ الوالي استوديو بوقت مبكر، فقد أراده استوديو مهنياً بمعدات متطورة وفريق لإنتاج وهندسة الصوت.

وفي أيلول العام الفائت تمكن الوالي من تجهيز الاستوديو الخاص به بمكرفونات احترافية وكرت صوت وأجهزة كمبيوتر وسماعات وإضاءة وكاميرات. ويشير إلى أن الاستوديو يقوم على أشخاص أخصائيين بالخدمات المقدمة من التعليق الصوتي والإشراف على التسجيل والهندسة الصوتية والتوزيع إلى التصوير والمونتاج.

ويقدم استديو الوالي خدمات متنوعة كالتعليق على التقارير وتسجيل الأغنيات وقراءة القرآن، وهي خدمات مأجورة، إذ بات الاستديو "يقدم خدمات احترافية مكلفة"، إضافةً إلى فريق عمل متكامل من مهندسي صوت ومصور ومونتير وملحّنين وكتّاب كلمات كلهم يعملون ضمن الاستوديو وهم يكسبون رزقهم من هذه الأعمال.

ويطمح العاملون في هذا المجال إلى تطور أكبر يتيح لهم صقل مواهبهم، وإتاحة الاتصال بشكل أفضل مع مدربين محترفين أو استقطابهم لإقامة دورات في المنطقة، فمعظم الدورات المقامة هي دورات أساسية في التعليق الصوتي لا تمكن المتدرب من دخول سوق العمل بشكل مباشر.